للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: اللوازم المترتبة على إخراج العمل من الإيمان]

... تنبيهات مهمة على جملة من اللوازم الباطلة المنادية ببطلان مقالة المرجئة في إخراج العمل من الإيمان، أو تصور إيمان تام في القلب بدون عمل ظاهر وفي هذا مزيد نقض لمقالة الإرجاء، ومن هذه اللوازم:

١ - قال رحمه الله: "ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر؛ ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها؛ لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب، مثل: أن يقولوا: رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر، وهو لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ويزني بأمه وأخته، ويشرب الخمر نهار رمضان، يقولون: هذا مؤمن تام الإيمان، فيبقى سائر المؤمنين ينكرون هذا غاية الإنكار" (١).ثم علق شيخ الإسلام على هذه الصورة بقوله: "وإنما قال الأئمة بكفر هذا؛ لأن هذا فرض ما لا يقع، فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئا مما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، مثل الصلاة بلا وضوء وإلى غير القبلة، ونكاح الأمهات، وهو مع هذا مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه" (٢).

٢ - قال شيخ الإسلام: "ولهذا فرض متأخروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن الرجل إذا كان مقرا بوجوب الصلاة، فدعي إليها، وامتنع، واستتيب ثلاثا، مع تهديده بالقتل، فلم يصل حتى يقتل: هل يموت كافرا أو فاسقا؟ على قولين.

وهذا الفرض باطل، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على تركها، ويصبر على القتل، ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقرب بوجوب الصلاة إلا صلى، لا ينتهي الأمر به إلى القتل. وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه الإنسان إلا لأمر عظيم، مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك، فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين حقا أو باطلا، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطنا وظاهرا، فلا يكون فعل الصلاة أصعب عليه من احتمال القتل قط" (٣).

٣ - قال شيخ الإسلام: "ويعلم أنه لو قدر قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئا من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضا، ونقاتلك مع أعدائك.


(١) ((الإيمان)) (ص١٩٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٠٤)؛ وانظر نحوه في الإيمان: الأوسط، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٨٣ – ٥٨٤، ٦١١)، (ص٤٩٤ - ٤٩٥، ٥٥٦ – ٥٥٧) ط. ابن الجوزي.
(٢) ((الإيمان)) (ص٢٠٦) ((الفتاوى)) (٧/ ٢١٨).
(٣) ((الإيمان)) (ص٢٠٦ - ٢٠٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٢١٩)؛ ونحوه في ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٦٥١ - ٦١٦)، (ص٥٦٦) ط. ابن الجوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>