للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: مسمى الإيمان عند الكرامية في بيان مذهب الكرامية في مسمى الإيمان يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وأما الكرامية، فلهم في الإيمان قول ما سبقهم إليه أحد، قالوا: هو الإقرار باللسان، وإن لم يعتقد بقلبه" (١).

وذكر أن القول بأن الإيمان مجرد القول، بلا تصديق، ولا معرفة في القلب، إنما أحدثه ابن كرام، وانفرد به. وأما سائر ما قاله، فأقوال قيلت قبله، ولهذا لم يذكر الأشعري، ولا غيره ممن يحكي مقالات الناس عنه قولا انفرد به إلا هذا، وأما سائر أقواله، فيحكونها عن ناس قبله ولا يذكرونه (٢).

وفي معرض تصنيفه لأقوال المرجئة قال رحمه الله:"والقول الثاني: من يقول هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية" (٣).ويقول: "وحدث بعد هؤلاء - يعني المرجئة الفقهاء والجهمية - قول الكرامية: إن الإيمان قول اللسان، دون تصديق القلب" (٤).

ويقول: "وقالت الكرامية هو: القول فقط، فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن إن كان مقرا بقبله كان من أهل الجنة، وإن كان مكذبا بقلبه كان منافقا، مؤمنا، من أهل النار. وهذا القول هو الذي اختصت به الكرامية وابتدعته، ولم يسبقها أحد إلى هذا القول، وهو آخر ما أحدث من الأقوال في الإيمان" (٥).ويقول: "والكرامية قولهم في الإيمان قول منكر، لم يسبقهم إليه أحد، حيث جعلوا الإيمان: قول اللسان، وإن كان مع عدم تصديق القلب، فيجعلون المنافق مؤمنا، لكنه يخلد في النار، فخالفوا الجماعة في الاسم دون الحكم" (٦).

ويقول: "وكذلك الكرامية باينوا سائر الطوائف في قولهم إن الإيمان هو باللسان، فمن أقر بلسانه كان مؤمنا، وإن جحد بقلبه. قالوا: وهو مؤمن مخلد في النار، فإن هذا لم يقله غيرهم" (٧).

ويقول: "وآخر الأقوال حدوثا في ذلك - يعني في الإيمان - قول الكرامية: أن الإيمان اسم للقول باللسان، وإن لم يكن معه اعتقاد القلب. وهذا القول أفسد الأقوال، لكن أصحابه لا يخالفون في الحكم، فإنهم يقولون: إن هذا الإيمان باللسان دون القلب هو إيمان المنافقين، وإنه لا ينفع في الآخرة" (٨).

وقد نبه شيخ الإسلام على أمرين مهيمن في قول الكرامية:

الأول: أنهم وإن أخرجوا التصديق من مسمى الإيمان، لكنهم يوجبونه. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "مع أن الكرامية لا تنكر وجوب المعرفة والتصديق، ولكن تقول لا يدخل في اسم الإيمان؛ حذرا من تبعضه وتعدده؛ لأنهم رأوا أنه لا يمكن أن يذهب بعضه ويبقى بعضه، بل ذلك يقتضي أن يجتمع في القلب إيمان وكفر، واعتقدوا الإجماع على نفي ذلك" (٩).

والثاني: أنهم مع قولهم بأن المنافق مؤمن، فهذا حكمه في الدنيا فحسب، وأما في الآخرة، فهو مخلد في النار.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "حتى الكرامية الذين يسمون المنافق مؤمنا، ويقولون: الإيمان هو الكلمة، يقولون: إنه لا ينفع في الآخرة إلا الإيمان الباطن.

وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا في الاسم لا في الحكم؛ بسبب شبهة المرجئة في أن الإيمان لا يتبعض، ولا يتفاضل".


(١) ((النبوات)) (١/ ٥٨٢).
(٢) انظر: ((الإيمان)) (ص٣٧٠) ((الفتاوى)) (٧ - ٣٨٧).
(٣) ((الإيمان)) (ص١٨٤) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٥)؛ وانظر منه، (ص١٣٤) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٠).
(٤) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٠٩)، (ص٣٧٨) ط ابن الجوزي؛ وانظر: ((الفتاوى)) (٢٠/ ٨٦)؛ و ((الصارم المسلول)) (٣/ ٩٦٥).
(٥) ((الفتاوى)) (١٣/ ٥٦)؛ وانظر: ((درء التعارض)) (٦/ ٢٧٠).
(٦) ((التدمرية))، (ص١٩٢ - ١٩٣) ((الفتاوى)) (٣ - ١٠٣).
(٧) ((منهاج السنة)) (٣/ ٤٦٢).
(٨) ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٨٦)، (ص١٤٣) ت مخلوف.
(٩) ((الإيمان)) (ص٣٧٦) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>