للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: حجج المرجئة]

ذكر شيخ الإسلام أن للمرجئة حججا بسببها اشتبه الأمر عليهم، فوقعوا في الغلط في باب الإيمان.

يقول رحمه الله: "والمرجئة الذين قالوا الإيمان تصديق القلب وقول اللسان، والأعمال ليست منه، كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم مثل قول جهم، ... ، ولكن هؤلاء لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم:

فإنهم رأوا أن الله قد فرق في كتابه بين الإيمان والعمل، فقال في غير موضع: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ [البقرة: ٢٧٧].

ورأوا أن الله خاطب الإنسان بالإيمان قبل وجود الأعمال، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: ٦]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة: ٩].

وقالوا: لو أن رجلا آمن بالله ورسوله ضحوة، ومات قبل أن يجب عليه شيء من الأعمال، مات مؤمنا، وكان من أهل الجنة، فدل على أن الأعمال ليست من الإيمان"، ثم قال شيخ الإسلام:

"والمرجئة - المتكلمون منهم، والفقهاء منهم - يقولون: إن الأعمال قد تسمى إيمانا مجازا؛ لأن العمل ثمرة الإيمان ومقتضاه؛ ولأنها دليل عليه. ويقولون: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)): مجاز" (١).

فهذه أربع حجج ساقها شيخ الإسلام في هذا الموضع، وهي حجج مشتركة بين فقهاء المرجئة وغيرهم من المرجئة، وثمة حجج أخرى مشتركة بينهم أيضا، ومنها:

- توهمهم أن الإيمان لو كان مركبا للزم منه ذهابه كله بذهاب بعضه، ولخرج العصاة من الإيمان، وهذا قول الخوارج، وللزم منه اجتماع الإيمان والكفر في الشخص، وهذا مخالف للإجماع عندهم.

- دعواهم أن الإيمان في اللغة مجرد التصديق.

- الاحتجاج بنصوص الوعد.

- الاحتجاج بحديث الجارية.

فهذه هي حجج المرجئة فيما ذهبوا إليه اشتركوا بالقول بها، وقد بلغت سبع حجج، سيقت على وجه الإجمال، وتحتجا إلى تفصيل يبين وجه الاستدلال، وجواب يزيل الإشكال، وهذا أوان ذلك بعون الله تعالى:

الحجة الأولى

ما جاء في النصوص من العطف بين الإيمان والعمل

استدل المرجئة بالنصوص التي فيها عطف العمل على الإيمان، إذ فهموا من هذا العطف المغايرة بين المعطوفين، ومن ثم خروج المعطوف من المعطوف عليه.

قال شيخ الإسلام موردا هذه الحجة، ومجيبا عنها:"قالوا: الأعمال ليست من الإيمان؛ لأن الله فرق بين الإيمان والأعمال في كتابه (٢).

ثم قال الفقهاء المعتبرون من أهل هذا القول: إن الإيمان هو تصديق القلب، وقول اللسان.

وهذا المنقول عن حماد بن أبي سليمان، ومن وافقه، كأبي حنيفة، وغيره.

وقال جهم، والصالحي، ومن وافقهما من أهل الكلام، كأبي الحسن، وغيره: إنه مجرد تصديق القلب.


(١) رواه البخاري (٩) , ومسلم (٣٥) واللفظ له, من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) انظر مواضع ورود التفريق بين الإيمان والعمل في القرآن الكريم في: ((المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم))، (ص ٥٢٢ - ٥٢٣)؛ وقد ساق ابن بطة رحمه الله الآيات التي فيها قرن الإيمان بالعمل الصالح. انظر: ((الإبانة الكبرى)) (٢/ ٧٨٠ - ٧٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>