للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: الإسلام والإيمان عند الجهمية ذكر شيخ الإسلام أن قول الجهمية في مسمى الإسلام والإيمان وحقيقتهما أبعد من كل قول عن الكتاب والسنة، وفيه من مناقضة العقل والشرع واللغة، ما لا يوجد مثله لغيرهم (١).

وقال: "قالت الجهمية، والمرجئة: قد علمنا أنه - يعني مرتكب الكبيرة - لا يخلد في النار، وأنه ليس كافرا مرتدا، بل هو من المسلمين. وإذا كان من المسلمين وجب أن يكون مؤمنا تام الإيمان، ليس معه بعض الإيمان" (٢).وذكر أيضا أن الجهمية يرون أن إيمان الفساق باق كما كان لم ينقص، بناء على أن الإيمان هو مجرد التصديق والاعتقاد الجازم، وهو لم يتغير، وإنما نقصت شرائع الإسلام (٣).ويعنون بشرائع الإسلام الأعمال؛ إذ إن النقص عندهم لا يدخل إلا عليها (٤).

وما تقدم هو ما أمكن تقييده عن شيخ الإسلام في كشف حقيقة مذهب الجهمية في الإسلام، ومنه يتضح أنهم موافقون لمقالة الفريق الثاني من مرجئة الفقهاء، فإن حكمهم على الفاسق بأنه ما دام مسلما فهو مؤمن تام الإيمان؛ لأن الإيمان مجرد التصديق، والنقص منه وقع على الأعمال لا الإسلام نفسه، فهذا كله يفيد أن الإسلام عندهم أوسع من الإيمان، بحيث يدخل فيه الإيمان والأعمال. وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله أن المتكلمين عندهم أن الأعمال لا تدخل في الإيمان، وتدخل في الإسلام (٥).

وقد جاء في كتاب "زبدة البيان" في معرض شرحه مذاهب المرجئة في الإسلام ما نصه:

"مذاهب المرجئة أن الإسلام أفضل عندهم من الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم عبارة عن التصديق فقط، أو التصديق والإقرار، أو الإقرار فقط كما ذهب إليه الكرامية، ولا يدخلون فيه الأعمال. والإسلام يشمل عندهم التصديق، والإقرار، والعمل" (٦).وهذا موافق لما تقدم استنباطه من كلام شيخ الإسلام، وأما ما ذكره رحمه الله من أن قول الجهمية في مسمى الإسلام والإيمان وحقيقتهما أبعد من كل قول عن الكتاب والسنة، وفيه من مناقضة العقل والشرع واللغة، ما لا يوجد مثله لغيرهم (٧)، فالمراد كما هو ظاهر خطؤهم في مسمى الإيمان، حيث جعلوه مجرد المعرفة، والله تعالى أعلم.

المصدر:آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص ٤٠١


(١) انظر: ((الإيمان)) (ص١٥١ - ١٥٢) ((الفتاوى)) (٧/ ١٥٩).
(٢) ((الفتاوى)) (١٣/ ٥٠).
(٣) انظر: ((الفتاوى)) (٧/ ٦٧١).
(٤) انظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٦٢، ص٤٥٩) ط. ابن الجوزي؛ و ((الفتاوى)) (١٧/ ١٠٥).
(٥) انظر: ((فتح الباري))، له (١/ ١١٩).
(٦) ((زبدة البيان في تنقيح حقيقة الإيمان)) وتحقيق زيادته النقصان، للشيخ محمد الجوندلوي، طبعة سنة ١٩٧٣م، نشر مطبعة الدين المحمدي بلاهور، (ص٧٥).
(٧) انظر: ((الإيمان)) (ص١٥١ - ١٥٢) ((الفتاوى)) (٧/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>