للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: قول من قال الإيمان يزيد ولا ينقص، والرد عليه]

لقد كان الحديث في الفصل السابق عمن قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان، أما الحديث في هذا الفصل فسيكون إن شاء الله عمن خالف قول أهل السنة والجماعة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، فقال: إن الإيمان يزيد ولا ينقص.

وجملة من وقفت على أنه قال بذلك بعد التتبع والنظر في كتب الفرق والمقالات وغيرها، مما تيسر لي الوقوف عليه هم:

١ - طائفة من الأشاعرة.

٢ - رواية عن أبي حنيفة.

٣ - الغسانية.

٤ - النجارية.

٥ - الإباضية.

وتفصيل ذلك كما يلي: أما قول الطائفة من الأشاعرة فقد أشار إليه البغدادي في "أصول الدين" فقال: "وأما من قال: إنه التصديق بالقلب فقد منعوا من النقصان فيه، واختلفوا في زيادته فمنهم من منعها ومنهم من أجازها" (١).

وذكر نحو قوله هذا العيني في (عمدة القاري).

ورجحت زيادة الإيمان ... بما تزيد طاعة الإنسان

ونقصه بنقصها وقيل لا ... وقيل لا خلف كذا قد نقلا

قال في الشرح: "ويحتمل في أن يكون النفي في كلام المصنف راجعاً إلى أقرب مذكور وهو قوله: "ونقصه بنقصها" فكأنه قال: وقيل لا ينقص فيكون مراده بهذا القيل أن الإيمان يزيد ولا ينقص ... " (٢).وقال الزبيدي: "وحكى غسان وجماعة من أصحاب أبي حنيفة أنه يزيد ولا ينقص" (٣).

ونقله عن الكشيمري الحنفي في (فيض الباري)، ونقل نحوه الكاندهلوي الحنفي في (تحفة القارئ) وقال: "وروى عن أبي حنيفة ومالك يزيد ولا ينقص".

قلت: سبق أن بينت أن مالكاً لم يقل إن الإيمان يزيد ولا ينقص، وإنما قال: يزيد وتوقف في النقصان، وفرق بين الأمرين.

ثم إن الكشميري والكندهلوي لما ذكرا نسبة هذا القول لأبي حنيفة لم يتكلما بشيء حول عدم صحة هذه النسبة إليه، بل إن الأول منهما أخذ يوجه هذا القول، فكأن هذا إقرار منه بصحة النسبة!

وعلى كل ففي صحة نسبة هذا القول لأبي حنيفة نظر. فقد ذكر البغدادي عن الغسانية، وهم أتباع غسان المرجئ أن من أقوالهم أن الإيمن يزيد ولا ينقص، ثم قال: "وزعم غسان هذا في كتابه أن قوله في هذا الكتاب كقول أبي حنيفة" (٤).ثم خطأه في ذلك: فقال: "وهذا غلط منه عليه، لأن أبا حنيفة قال: إن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى وبرسله وبما جاء من الله تعالى ورسله في الجملة دون التفصيل، وأنه لا يزيد ولا ينقص، ولا يتفاضل الناس فيه، وغسان قد قال: بأنه يزيد ولا ينقص" (٥).

فالبغدادي يرى أن نسبة هذا القول لأبي حنيفة غلط عليه، وهذا ظاهر لأن المشهور والمعروف عنه نفي الزيادة والنقصان معاً. لذا قال الإسفرايني: "كان يقول أي غسان الإيمان إقرار بالله ومحبة لله تعالى وتعظيم له، وهو يقبل الزيادة ولا يقبل النقصان على خلاف ما قاله أبو حنيفة رحمه الله حيث قال: لا يزيد ولا ينقص" (٦).

قلت: فلعل الغسانية نسبوا هذا القول لأبي حنيفة ترويجاً لمذهبهم، وإشهاراً له، ولا غرابة في هذا، فإن هذا سجية لأهل البدع وطبيعة لهم ينحلون الأئمة ما لم يقولوه ليروج باطلهم وينتشر وخصوصاً أبا حنيفة، فقد نحل رحمه الله من عقائد الجهمية والمعتزلة والماتريدية وغيرهم شيء كثير لم يقل به وإنما نسبه إليه أهل الباطل باطلاً.


(١) ((أصول الدين)) (ص٢٥٢).
(٢) ((تحفه المريد)) (ص٥١). وانظر ((جوهرة التوحيد "ضمن مجموعة مهمات المتون")) (ص١٢).
(٣) ((إتحاف السادة المتقين)) (٢/ ٢٥٦).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (ص٢٠٣).
(٥) ((الفرق بين الفرق)) (ص٢٠٣).
(٦) ((التبصير في الدين)) (ص١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>