للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: زيادة الإيمان ونقصانه عند الكرامية]

مما نبه شيخ الإسلام عليه حول مقالة الكرامية أنه ليس لهم قول انفردوا فيه في مسائل الإيمان إلا مذهبهم في مسماه.

يقول - رحمه الله تعالى -: "فلم يكن حدث في زمنهم - يعني السلف المتقدمين - من المرجئة من يقول: الإيمان هو مجرد القول بلا تصديق ولا معرفة في القلب، فإن هذا إنما أحدثه ابن كرام. وهذا هو الذي انفرد به ابن كرام، وأما سائر ما قاله، فأقوال قيلت قبله، ولهذا لم يذكر الأشعري ولا غيره ممن يحكي مقالات الناس عنه قولا انفرد به إلا هذا، وأما سائر أقواله، فيحكونها عن ناس قبله ولا يذكرونه" (١).

وعلى هذا، فمذهب الكرامية في زيادة الإيمان ونقصانه هو مذهب المرجئة والجهمية، وهو منع وقوع الزيادة والنقصان فيه، وهذا جاء منصوصا عليه في قول شيخ الإسلام:"والكرامية توافق المرجئة والجهمية في أن إيمان الناس كلهم سواء" (٢).

وقوله: "وقابلتهم - يعني الخوارج والمعتزلة -: المرجئة، والجهمية، ومن اتبعهم من الأشعرية، والكرامية، فقالوا: ليس من الإيمان فعل الأعمال الواجبة، ولا ترك المحظورات البدنية.

والإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان، بل هو شيء واحد، يستوي فيه جميع المؤمنين من الملائكة، والنبيين، والمقربين، والمقتصدين، والظالمين.

ثم قال فقهاء المرجئة، هو التصديق بالقلب، واللسان.

وقال أكثر متكلميهم: هو التصديق بالقلب.

وقال بعضهم: التصديق باللسان.

قالوا: لأنه لو دخلت فيه الواجبات العملية؛ لخرج منه من لم يأت بها، كما قالت الخوارج. ونكتة هؤلاء جميعهم: توهمهم أن من ترك بعض الإيمان، فقد تركه كله" (٣).

وفي معرض بيان وقوع التفاضل في الإيمان، وفي عامة الصفات التي يتصف بها الموصوفون، قال شيخ الإسلام بعد ذلك:

"وفي هذا كله نزاع:

فطائفة من المنتسبين إلى السنة تنكر التفاضل في هذه كله، كما يختار ذلك القاضي أبو بكر"، ثم قال:"وهؤلاء يقولون: التفاضل إنما هو في الأعمال، وأما الإيمان الذي في القلوب فلا يتفاضل" (٤).

وتقدم قوله بعد كلام له عن المعرفة: "هذا مبني على أن المعرفة بالله تعالى لا تتفاضل، وأن الشيء لا يكون معلوما من وجه، مجهولا من وجه. وهذا أحد القولين للناس في هذه المسألة، وهو قول طائفة من أهل الحديث والفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، وقول كثير من أصحاب الأشعري، أو أكثرهم، وهو قول جهم بن صفوان، وكثير من المرجئة" (٥).

فكما هو ظاهر مما تقدم مبلغ موافقة الأشاعرة لعامة المرجئة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، والأصل الموجب لمنعهم ذلك، والقول بأن التفاضل إنما هو في الأعمال فقط.

وقد لاحظ بعض الأشاعرة أن من لوازم هذه المقالة الباطلة أن يكون إيمان الفاسقين كإيمان الطائعين، وعلى رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأجاب بعضهم بأن فضل إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم على غيره إنما هو في دوام تصديقه واستمراره، وهذا لا يوجد لغيره.

قال شيخ الإسلام: "وعندهم - يعني الأشاعرة - الإيمان لا يتفاضل إلا بالدوام فقط.

قال أبو المعالي: (فإن قيل: فما قولكم في زيادة الإيمان ونقصانه؟

قلنا: إذا حملنا الإيمان على التصديق، فلا يفضل تصديق تصديقا، كما لا يفضل علم علما.


(١) ((الإيمان)) (ص٣٧٠) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٨٧).
(٢) ((الإيمان)) (ص١٣٥) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤١).
(٣) ((الفتاوى)) (١٢/ ٤٧٠ - ٤٧١).
(٤) ((الإيمان)) (ص ٣٩٠) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٠٨)؛ وانظر أيضا: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥١٣)، (ص٣٨٧) ط. ابن الجوزي؛ و ((مسائل الإيمان))، لأبي يعلى، (ص٣٩٩، ٤١٢).
(٥) ((درء التعارض)) (٧/ ٤٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>