للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: زيادة الإيمان ونقصانه عند الخوارج والمعتزلة]

لقد ذهبت الخوارج والمعتزلة مذهب أهل السنة والجماعة في تعريف الإيمان من حيث أنه شامل للأعمال والأقوال والاعتقادات، إلا أنهم فارقوا أهل السنة والجماعة بقولهم إن الإيمان كل واحد لا يتجزأ إذا ذهب بعضه ذهب كله، وأنه لا يقبل التبعض. ومن هنا كان الإخلال بالأعمال وارتكاب الكبائر عندهم مخرجاً من الإيمان كلية، على خلاف بينهم في تسميته كافراً، فالخوارج قطعوا بكفره، ونازعهم المعتزلة في الاسم وقالوا نحن لا نسميه مؤمناً ولا كافراً، وإنما هو في منزلة بين المنزلتين أي: بين منزلة الإيمان والكفر، وإن كانوا قد اتفقوا جميعاً أنه يوم القيامة خالد مخلد في نار جهنم (١).قال شيخ الإسلام: "قالت الخوارج والمعتزلة قد علمنا يقيناً أن الأعمال من الإيمان فمن تركها فقد ترك بعض الإيمان، وإذا زال بعضه زال جميعه؛ لأن الإيمان لا يتبعض ولا يكون في العبد إيمان ونفاق، فيكون أصحاب الذنوب مخلدين في النار إذ كان ليس معهم من الإيمان شيء" (٢).وأصل غلط هؤلاء ومنشأ ضلالهم كما قال شيخ الإسلام: "أنهم ظنوا أن الشخص الواحد لا يكون مستحقاً للثواب والعقاب والوعد والوعيد والحمد والذم، بل إما لهذا وإما لهذا فأحبطوا جميع حسناته بالكبيرة التي فعلها، وقالوا: الإيمان هو الطاعة فيزول بزوال بعض الطاعة، ثم تنازعوا هل يخلفه الكفر على القولين ووافقتهم المرجئة والجهمية على أن الإيمان يزول كله بزوال شيء منه، وأنه لا يتبعض ولا يتفاضل فلا يزيد ولا ينقص وقالوا إن إيمان الفساق كإيمان الأنبياء والمؤمنين" (٣).فهذه الشبهة هي التي أفسدت على هؤلاء قولهم، بل وعلى جميع المرجئة، كما قال شيخ الإسلام: "وإنما أوقع هؤلاء كلهم - أي المرجئة بأقسامهم - ما أوقع الخوارج والمعتزلة في ظنهم أن الإيمان لا يتبعض بل إذا ذهب بعضه ذهب كله، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يتبعض وأنه ينقص ولا يزول جميعه" (٤).وقال شيخ الإسلام: "وجماع شبهتهم في ذلك أن الحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائها كالعشرة فإنه إذا زال بعضها لم تبق عشرة، وكذلك الأجسام كالسكنجبين إذا زال أحد جزئيه خرج عن كونه سكنجببين، قالوا فإذا كان الإيمان مركباً من أقوال وأعمال ظاهرة وباطنة لزم زواله بزوال بعضها" (٥).

والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:

أحدها: أن الحقيقة الجامعة لأمور سواء كانت في الأعيان والأعراض. إذا زال بعض تلك الأمور فقد يزول سائرها وقد لا يزول، ولا يلزم من زوال بعض الأمور المجتمعة زوال سائرها، وسواء سميت مركبة أو مؤلفة أو غير ذلك، لا يلزم من زوال بعض الأجزاء زوال سائرها.

الثاني: أن ما مثلوا به من العشرة والسكنجبين مطابقة لذلك، فإن الواحد من العشرة إذا زال لم يلزم زوال التسعة، بل قد تبقى التسعة، فإذا زال أحد جزئي المركب لا يلزم زوال الجزء الآخر، لكن أكثر ما يقولون زالت الهيئة الاجتماعية، وزال ذلك الاسم الذي استحقته الهيئة بذلك الاجتماع والتركيب كما يزوال اسم العشرة والسكنجبين.


(١) انظر ((الفتاوى)) (٧/ ٢٢٣، ٢٥٧) و ((شرح العقيدة الأصفهانية)) لابن تيمية (ص١٣٧).
(٢) ((الفتاوى)) (١٣/ ٤٨).
(٣) ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص١٣٧، ١٣٨)، وانظر ((الفتاوى)) (٧/ ٤٠٤).
(٤) ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص١٤٣، ١٤٤).
(٥) ((الفتاوى)) (٧/ ٥١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>