للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: دراسة نقدية لشخصية واصل بن عطاء]

يعتبر واصل بن عطاء الشخصية الأولى التي نسب إليها مذهب الاعتزال، وهو، كغيره من أصحاب المقالات المبتدعة، يحيط بشخصيته قدر كبير من الغموض، ابتداء من هذا الولاء المنسوب لبني ضبة، أو لبني مخزوم، والأهم من هذا ظروف النشأة، وتلقي العلم، والغموض في هذا الجانب يظهر من خلال صلاته الفكرية المتعددة – أيضا –، فهو مرة يظهر من منتابي مجلس الحسن البصري، ومرة يظهر في مجالس الثنوية والمجوس، ومرة يبدو مختلفاً إلى مجموعة من اليهود، الذين اندسوا بين المسلمين في البصرة، ويهمنا أمام هذه الإشكالات محاولة إيضاح الخلفية الفكرية لهذا الرجل، ودوره في فتح باب الابتداع في عقيدة الأمة الإسلامية. ونبدأ أولاً بالتعريف بشخصيته؛ فمن حيث الميلاد، يجمع المؤرخون على أنه ولد في المدينة المنورة سنة " (٨٠هـ) "، وكنيته أبو حذيفة الغزال، مولى ابن مخزوم، وقيل مولى ابن ضبة (١)، فما طبيعة هذا الولاء: هل هو من جهة والديه، أم من جهته هو؟ وهل هذا الولاء يعني العبودية التي ينفيها الدكتور النشار عن واصل، مثلما حاول إلصاق ولائه ببني هاشم، والذي لم يذكره إلا ابن المرتضى (٢)، مخالفاً بذلك جميع من سبقوه؛ حيث يقول الدكتور النشار: "وبالرغم من أنه كان مولى، فقد ولد حراً، مع أن المصادر ساكتة تماما عن أبويه، فلا تذكر منها شيئاً، غير أننا نلحظ أنه لم يذكر عنه أنه كان عبداً، بل إن المصادر تذكر أنه كان غَزَّالاً" (٣).وقول الدكتور النَّشّّار: "ولد حرا"، دعوى لا دليل عليها؛ فالولاء يعني العبودية، ولعله نال حريته مؤخراً، ولا يوجد أي مصدر يتحدث عن هذه العبودية، ومتى انفكت عنه، أما لقبه الغزال، فالمتبادر إلى الذهن – أيضاً – أن يكون غَزَّالاً، ولكن هذه النسبة – أيضاً – نفاها عنه محبوه قديماً، وحديثاً، إلا أن الدكتور النشار يؤيد أن معظم قادة المعتزلة ينتسبون إلى بعض الحرف؛ حيث يقول: "ويلاحظ أن المعتزلة ينتسبون على بعض الصناعات؛ كالغَزّال، والعلاف، والنظام، والفوطي، والإسكافي" (٤)، وقد حاول المبرد (٢٨٥هـ) " أن يأتي لهذا اللقب بالتخريج الآتي؛ فقال: "ولم يكن غزالاً، ولكنه كان يلقب بذلك لأنه كان يلزم الغزالين، ليعرف المتعففات من النساء، فيجعل صدقته لهن" (٥)، وقد ردد ابن المرتضى نفس هذا التخريج الذي ذهب إليه المبرد.


(١) الجاحظ، ((البيان والتبيين))، (١/ ٣٤)، وابن خلكان، ((وفيات الأعيان))، (٦/ ٧)، والذهبي، ((تاريخ الإسلام))، (٥/ ٥٥١).
(٢) ((المنية والأمل))، (ص١٤٠).
(٣) د. النشار، ((نشأة الفكر))، (١/ ٣٨٢).
(٤) ((نشأة الفكر))، (١/ ٣٨٢).
(٥) المبرد, ((الكامل في اللغة والأدب))، (٢/ ١٤٣)، الناشر مكتبة المعارف، وانظر الجاحظ، ((البيان والتبيين))، (١/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>