للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: فرق المعتزلة]

لابد من الإشارة إلى أن هذه الفرق يجمعها مبادئ وتختلف في مبادئ أخرى:

أولا: ما تتفق فيه: إن المعتزلة بفرقها المتعددة تجمع على أمور يسمونها الأصول الخمسة، وهي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الخياط (١) – في كتابه (الانتصار) –: "فلسنا ندفع أن يكون بشر كثير يوافقونا في التوحيد، ويقولون بالجبر، وبشر كثير يوافقونا في التوحيد والعدل، ويخالفونا في الوعد والأسماء والأحكام، لكن ليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كملت في الإنسان هذه الخصال الخمس، فهو معتزلي (٢).

ثانيا: ما تختلف فيه: إن المعتزلة كغيرها من الفرق – عند نشوئها – قد بدأت محدودة مقتصرة على الأصول الخمسة التي سبق ذكرها آنفا. ولكن سرعان ما تعمق المعتزلة في بحث تلك الأصول، وتوسعوا في شرحها، فنشأ لذلك مسائل فرعية من هذه الأصول ومن غيرها، وأسباب ذلك كثيرة، منها:

أولا – المبالغة في الاعتماد على العقل، وعدم التقيد بالنصوص من الكتاب والسنة، مما كان له الأثر العظيم في نشوء الخلافات بينهم.

ثانيا: انغماسهم في الفلسفة اليونانية التي أخذوا يدرسونها ويستمدون منها بعض الأفكار ويمزجونها بعقيدة المسلمين.

بسبب ذلك دب الخلاف بينهم، وتشعبت آراؤهم واشتد بينهم الحوار والجدل، فانقسموا إلى اثنتين وعشرين فرقة لكل واحدة منها أفكارها وآراؤها الخاصة، وتتبع كل فرقة أحد رؤوس الاعتزال البارزين.

الفرقة الأولى: الواصلية: أتباع أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال مولى بني ضبة، ولد سنة (٨٠هـ)، ونشأ على الرق، وتتلمذ على الحسن البصري، ولم يفارقه إلى أن أظهر مقالته في المنزلة بين المنزلتين، وهو مؤسس فرقة الاعتزال، وتوفي سنة (١٣١هـ) (٣). وهو الذي وضع الأصول الخمسة التي يرتكز عليها الاعتزال.

يقول الشهرستاني: إن اعتزال هذه الفرقة يدور على أربع قواعد، وهي: القاعدة الأولى: القول بنفي الصفات الثابتة لله في الكتاب والسنة، والحجة في ذلك أنه يستحيل وجود إلهين قديمين أزليين، ومن أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين (٤).القاعدة الثانية: القول بالقدر، وهو أن العبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر، وهو المجازى على فعله، والرب تعالى أقدره على ذلك، لأنه تعالى حكيم عادل، لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم، ولا يجوز أن يريد من عباده خلاف ما يأمر. ويحتم عليها شيئا ثم يجازيهم عليه ويستحيل أن يخاطب العبد بأفعال وهو لا يمكنه أن يفعل (٥).القاعدة الثالثة: القول بالمنزلة بين المنزلتين، وهو أن صاحب الكبيرة في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان، لا مؤمن ولا كافر، وحجته أن الإيمان عبارة عن خصال إذا اجتمعت سمي صاحبها مؤمنا، والفاسق مرتكب الكبيرة لم تجتمع فيه. لذا لا يسمى مؤمنا. وهذا القول هو أول أقواله التي جهر بها، وبسببه فارق الحسن البصري (٦).القاعدة الرابعة: قوله في الفريقين من أصحاب الجمل، وأصحاب صفين أن أحدهما فاسق لا بعينه (٧).


(١) ((الفرق بين الفرق)) (١٧٩)، ((التبصير في أمور الدين)) (٧٨).
(٢) ((الانتصار)) (١٢٦).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (٥٤)، ((المعتزلة)) (١١٣)، بتصرف.
(٤) ((الملل والنحل)) (١/ ٥١).
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ٥١).
(٦) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٢)، بتصرف.
(٧) ((الملل والنحل)) (١/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>