للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الأمر بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة]

تقدم في العنصر الأول أن النصوص سلكت مسلك الجمع بين ذكر الأمر بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة في موضع واحد لتغليظ الأمر في ذلك.

وكذلك سلكت النصوص مسلكا آخر حينما أمرت بالجماعة في نصوص ونهت عن الفرقة في نصوص أخرى, وقد سبق أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده والنهي عن شيء يستلزم الأمر بضده. ومن النصوص التي تحث على الجماعة وترغب بلزومها وتبين أجر من لزم ولم يفارق, وتؤكد أن العصمة في وقت الفتن والمحن هو في التمسك بجماعة المسلمين فهي المخرج والمنجي بإذن الله منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)) (١) فانظر عظم الأجر على لزوم الجماعة بل إن الخير كل الخير فيها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يد الله مع الجماعة ... )) (٢)

فيد الله مع الجماعة ويد الله على الجماعة ينصرهم ويؤيدهم ويسددهم وهو معهم معية خاصة: معية النصر والتأييد متى ما كانوا مجتمعين على الحق مجتمعين على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومما يبين فضل لزوم الجماعة ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نضر الله عبدا سمع مقالتي هذه فحملها فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله عز وجل، ومناصحة أولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من روائهم)) (٣)

ومعنى لا يغل: (بضم الياء وكسر الغين) هو من الأغلال: الخيانة في كل شيء.

ويروى يُغل بفتح الياء من الغِل وهو الحقد والشحناء: أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق. وروى يُغل بالتخفيف: من الوغول: الدخول في الشر والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر ... (٤)


(١) ([٥١]) رواه الترمذي (٢١٦٥)، وأحمد (١/ ١٨) (١١٤)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ٣٨٨)، والحاكم (١/ ١٩٧). من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن حزم في ((أصول الأحكام)) (١/ ٥٩٣): لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحيح ولكنا نتكلم فيه على علاته. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٥/ ٢٦): حسن صحيح. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (٢/ ٤٠١): له طرق أخر وهو حديث مشهور جدا. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٢) ([٥٢]) رواه الترمذي (٢١٦٦). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٥/ ٢٨): وإن لم يكن لفظه صحيحا فإن معناه صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) ([٥٣]) رواه ابن ماجه (٢٣٦)، وأحمد (٣/ ٢٢٥) (١٣٣٧٤). قال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح. وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): صحيح لغيره وهذا إسناد حسن. والحديث روي عن جماعة من الصحابة منهم: عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وجبير بن مطعم والنعمان بن بشير رضي الله عنهم وغيرهم عدة.
(٤) ([٥٤]) انظر ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (٣/ ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>