للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: رأي جمهور المعتزلة في الصفات وشبهاتهم والجواب عليها عرفنا أن القول بنفي الصفات قد بدأ قبل ظهور المعتزلة على يد الجعد بن درهم، ثم الجهم بن صفوان الذي اشتهر بنشره لهذا المذهب، وإليه نسبت فرقة الجهمية (١)، ثم أنه لما ظهرت المعتزلة أخذت في جملة ما أخذته من الجهمية القول بنفي الصفات، ودليل ذلك: أن مؤسس مذهب الاعتزال واصل بن عطاء (٢) كان ينفي الصفات معتقدا أن إثباتها يؤدي إلى تعدد القدماء؛ وذلك شرك، ولذا كان يقول: "إن من أثبت لله معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين" (٣).ويرى الشهرستاني: أن القول بنفي الصفات كما بدأه واصل كان غير ناضج؛ لأنه شرع فيه على قول ظاهر، وهو الاتفاق على استحالة وجود إلهين قديمين أزليين (٤).أما المعتزلة الذين خلفوه؛ فإنهم عاصروا حركة ترجمة الكتب اليونانية والكتب الفارسية إلى العربية التي تشتمل على الفلسفة وبعض الأمور الدينية؛ وخصوصا كتب الفلاسفة (٥).وكان الفلاسفة يرون أن الله تعالى واجب الوجود بذاته، وأنه واحد من كل وجه (٦)؛ فنفوا صفات الباري تعالى زائدة على الذات، وقالوا: أنه تعالى عالم بالذات لا يعلم زائد على ذاته (٧).فهذا أفلوطين (٨) وهو الذي تأثر به المسلمون أكثر من تأثرهم بغيره من فلاسفة اليونان، يتحدث عن تعالية الله تعالى، ويمنع أن نطلق عليه صفة من الصفات؛ لأننا بذلك نشبهه تعالى بالأفراد، فلا نقول أن لله تعالى علما لأنه هو العلم. . وليس يحتاج تعالى إلى بصر؛ لأنه ذاته النور الذي يبصر به الناس (٩).

وقد تأثر المعتزلة بهؤلاء الفلاسفة، فاقتبسوا منهم قولهم في الصفات. يقول الغزالي والشهرستاني: "إن المعتزلة وافقوا الفلاسفة على قولهم في الصفات" (١٠).

ولذا فإن المعتزلة الذين جاؤوا بعد واصل أخذوا بتأثير الفلسفة يفسرون قوله، ويضيفون إليه بعض التعديلات التي لا تؤثر على الجوهر، ويؤيدون ذلك بشبهات عقلية، فقالوا: إن الله عالم بذاته، قادر بذاته لا يعلم وقدرة هي صفات قديمة ومعان قديمة ومعان قائمة به. وقد ذكر ابن المرتضي المعتزلي إجماعهم على ذلك، فقال: "وأما ما أجمعت عليه المعتزلة، فقد أجمعوا على أن للعالم محدثا قديما قادرا عالما حيا لا لمعان .. " (١١). وقد تمسكوا في قولهم هذا بشبهات، منها ما يلي:

الشبهة الأولى: يقول أبو الحسن الخياط (١٢): "أن الله تعالى لو كان عالما بعلم، فإما أن يكون ذلك العلم قديما أو يكون محدثا، ولا يمكن أن يكون قديما؛ لأن هذا يوجب وجود اثنين قديمين، وهو تعدد وهو قول فاسد. ولا يمكن أن يكون علما محدثا، لأنه لو كان كذلك يكون قد أحدثه الله إما في نفسه أو في غيره أو لا في محل؛ فإن كان أحدثه الله في نفسه أصبح محلا للحوادث، وما كان محلا للحوادث فهو حادث، وهذا محال، وإذا أحدثه في غيره، كان ذلك الغير عالما بما حله من دونه، كما أن من حله اللون فهو المتلون به دون غيره، ولا يعقل أن يكون أحدثه لا في محل؛ لأن العلم عرض لا يقوم إلا في جسم، فلا يبقى إلا حال واحد، وهو أن الله عالم بذاته" (١٣).

المناقشة:


(١) ((سرح العيون)) (٢٩٣).
(٢) ((فرقة الواصلية)) (٥٢) من الرسالة.
(٣) ((الملل والنحل)) (١/ ٥١).
(٤) ((الملل والنحل)) (١/ ٥١)، بتصرف.
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ٥١)، بتصرف.
(٦) ((نهاية الإقدام)) (٩٠)، بتصرف.
(٧) ((المنقذ من الضلال)) (١٠٧)، ((نهاية الإقدام)) (١٠٠)، بتصرف.
(٨) ((الموسوعة العربية الميسرة)) (١٨٢).
(٩) ((المعتزلة)) (٦٣).
(١٠) ((نهاية الإقدام)) (٩١)، ((المنقذ من الضلال)) (١٠٧).
(١١) ((المنية والأمل)) (٥٦).
(١٢) ((فرقة الخياطية)) (٧٢) من الرسالة.
(١٣) ((الانتصار)) (٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>