للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: معاني معمر ومناقشتها يقول معمر (١): "كل عرض قام بمحل فإنما يقوم به لمعنى أوجب القيام به. . . فالحركة مثلا إنما خالفت السكون، لا بذاتها؛ بل بمعنى أوجب المخالفة، وكذلك مغايرة المثل المثل ومماثلته، وتضاد الضد الضد؛ كل ذلك عنده بمعنى" (٢).وكان يرى أن كل نوع من الأعراض في كل جسم لا يتناهى أبدا في العدد (٣)، ولذا قال: "إذا كان المتحرك متحركا بحركة قامت به، فتلك الحركة اختصت بمحلها لمعنى سواها؛ وذلك المعنى أيضا يختص بمحله لمعنى سواه. . وهكذا إلى ما لا نهاية" (٤).ويقول الخياط - وهو يشرح رأي معمر هذا -: "لما وجد معمر جسمين ساكنين أحدهما يلي الآخر، ثم وجد أحدهما قد تحرك دون صاحبه كان لا بد عنده من معنى حله دون صاحبه من أجله تحرك؛ وإلا لم يكن بالتحرك أولى من صاحبه، فإذا كان هذا حكما صحيحا، فلا بد أيضا من معنى حدث له حلت من أجله الحركة في أحدهما دون صاحبه؛ وإلا لم يكن حلولها في أحدهما أولى من حلولها في الآخر، وكذلك إن سئل عن ذلك المعنى لم كان علة لحلول الحركة في أحدهما دون صاحبه؟ قال لمعنى آخر، وكذلك أيضا إن سئل عن ذلك المعنى الآخر، كان جوابه فيه كجوابه فيما قبله" (٥).وضرب زهدي جار الله مثلا يوضح رأي معمر هنا، فقال: "إذا نظرنا إلى طاولة فوجدناها حمراء اللون كان ذلك لمعنى خاص، فإذا كانت سوداء كان ذلك لمعنى آخر، وكذلك إذا كانت كبيرة أو صغيرة يابسة أو لينة حديدية أو خشبية؛ كان كل ذلك لمعان خاصة حلت بها، ثم يقول: ويؤخذ من هذا أن الأساس في الطاولة هو ذاتها، لا ما يتعلق بها من الصفات، فالطاولتان لا تختلفان عن بعضهما بالذات؛ لأن ذاتهما واحدة، بل تختلفان فيما يتعلق بهما من الصفات كالحركة والسكون، واللون والحجم، وغير ذلك وهي أمور عرضية لا أهمية لها، وقد فضل معمر أن يدعوها معاني بدل الصفات؛ لأنه ظن أن في هذا ما يخفف من جوهرية الصفات، ويقلل من أهميتها" (٦).ولذا دعي هو وأتباعه أصحاب المعاني (٧).وعلى هذا الأساس بنى معمر قوله في صفات الباري عز وجل، فقال: "إن الله عالم يعلم وأن علمه كان لمعنى والمعنى كان لمعنى، لا إلى غاية، وكذلك في سائر الصفات" (٨). أي: أنه جعل ذات الله تعالى واحدة قديمة، وأراد أن يثبت أن الصفات ما هي إلا معان ثانوية لا أهمية لها، فكان بذلك مشتركا في الغاية مع المعتزلة الذين نفوا الصفات وقالوا: إن الله عالم قادر بالذات ومع أبي الهذيل الذي يثبت الصفات، ولكنه يقول إنها هي الذات. غير أن معمرا، وإن اتفق معهم في الغاية، فقد خالفهم في الطريقة لإثبات تلك الغاية، فاهتدى إلى المعاني (٩).

مناقشة معمر ومن معه من مثبتي المعاني:


(١) ((فرقة المعمرية)) (٦٣) من الرسالة.
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٦٥).
(٣) ((الفرق بين الفرق)) (١٥٢).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١٥٣).
(٥) ((الانتصار)) (٥٥).
(٦) ((المعتزلة)) (٦٨).
(٧) ((الملل والنحل)) (١/ ٦٦).
(٨) ((المقالات)) (١/ ٢٢٨).
(٩) ((المعتزلة)) (٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>