للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: رأي المعتزلة في صفتي السمع والبصر ومناقشتهم لقد اختلف المعتزلة في المقصود بهاتين الصفتين بعد أن اتفقوا عموماً على نفيهما، فلا هما قديمان، ولا حادثان (١).يقول الشهرستاني: "واتفقت المعتزلة على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته تعالى؛ لكن اختلفوا في وجوه وجودها، ومحامل معانيها ... " (٢).

إذاً المعتزلة قد اتفقت على أن السمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته تعالى، لكنهم اختلفوا في وجوه وجودها، ومحامل معانيها على أقوال، أهمها ما يلي:

القول الأول: قول الجبائي وابنه، ومن تابعهما من البصريين:

ويتلخص رأيهم في أن الله سميع بصير، بمعنى أنه حي لا آفة به تمنعه من إدراك المسموع والمرئي إذا وجدا؛ ذلك أنهم ... يرون أن الحي إذا سلمت نفسه عن الآفة، سمي سميعاً بصيراً. يقول ابن منتويه: "والذي يبين أن الحياة غير متعلقة ... إلى أن قال: فإذا صح أن لا متعلق لهذه الصفة، كان أخص ما يذكر في توابعها كونه سميعاً بصيراً، لأنه من حكم كونه حياً، ألا ترى أن معناه أنه حي لا آفة به ... " (٣).ويقول البغدادي - وهو يحكي مذاهب المخالفين له في صفتي السمع والبصر - فيقول: "والفرقة الرابعة قدرية البصرة، قالوا: إن الله تعالى لم يزل سميعاً بصيراً على معنى أنه كان حياً لا آفة به تمنعه من إدراك المسموع إذا وجد" (٤).ويقول في موضع آخر: "وزعم الجبائي وابنه: أن الله لم يزل سميعاً؛ بمعنى أنه كان حياً لا آفة به تمنعه من إدراك المسموع إذا وجد ... " (٥).ويحكي الشهرستاني آراء المعتزلة في معنى كونه تعالى سميعاً بصيراً، فيقول: " ... ومن قال من المعتزلة أن المعني بكونه سميعاً بصيراً، أنه حي، لا آفة به، فمذهبه بخلاف مذهب الكعبي، وهو الذي صار إليه الجبائي وابنه ... " (٦).ويروي الشهرستاني في موضع آخر: أن الجبائي قال: "إن الحي إذا سلمت نفسه عن الآفة سمي سميعاً بصيراً ... " (٧).

هذا هو رأي الجبائي وابنه، ومن تابعهما من البصريين في معنى وصف الله بالسمع والبصر.

القول الثاني: رأي النظام والكعبي، ومن تابعهما من البغداديين في معنى السميع والبصير:

ويتلخص رأيهم في أن الله تعالى لا يسمع، ولا يبصر شيئاً على الحقيقة، وتأولوا وصفه بالسميع والبصير، على معنى العلم بالمسموعات والمرئيات. يقول الشهرستاني: "وذهب الكعبي، ومن تابعه من البغداديين إلى أن معنى كونه تعالى سميعاً بصيراً؛ أنه عالم بالمسموعات والمبصرات ... " (٨).ويقول البغدادي: "وزعم الكعبي أن الله تعالى لا يرى نفسه ولا غيره؛ إلا على معنى علمه بنفسه، وبغيره، وتبع النظام في قوله: إن الله تعالى لا يرى شيئاً في الحقيقة ... " (٩).ويقول في موضع آخر: "وزعم الكعبي، والبغداديون من المعتزلة؛ أن الله تعالى لا يسمع شيئاً على معنى الإدراك المسمى بالسمع، وتأولوا وصفه بالسميع والبصير على معنى أنه عليم بالمسموعات التي يسمعها غيره، والمرئيات التي يراها غيره ... " (١٠).ويقول في موضع ثالث: "وزعم الكعبي والنظام أن كون الإله سامعاً؛ إنما يفيد كونه عالماً بالمسموع ... " (١١).


(١) انظر ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص١٠٩).
(٢) ((الملل والنحل)) (١/ ٤٩).
(٣) ((المجموع المحيط بالتكليف)) (ص١٣٦).
(٤) ((أصول الدين)) (ص٩٦).
(٥) ((أصول الدين)) (ص٩٧).
(٦) ((نهاية الإقدام)) (ص٣٤١).
(٧) ((نهاية الإقدام)) (ص٣٤٤).
(٨) ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص٣٤١).
(٩) ((الفرق بين الفرق)) (ص١٨١).
(١٠) ((الفرق بين الفرق)) (ص ١٨١).
(١١) ((أصول الدين)) (ص٩٦)، وانظر (ص٤٤) من نفس الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>