للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: مسألة الصلاح والأصلح]

يحسن قبل البدء في الكلام عن الصلاح والأصلح أن نعرفهما: الصلاح: ضد الفساد، وكل ما عرى من الفساد؛ فهو صلاح؛ وهو الفعل المتوجه إلى الخير من قوام العالم وبقاء النوع في العاجلة، والمؤدي إلى السعادة السرمدية في الآخرة. أما الأصلح: فهو ما إذا كان هناك صلاحان وخيران، وكان أحدهما أقرب إلى الخير المطلق، فإنه يكون الأصلح (١).

الفرع الأول: رأي المعتزلة في الصلاح والأصلح:

لمعرفة رأي المعتزلة في الصلاح والأصلح؛ لابد أن نسوق شيئاً من أقوالهم أو أقوال من نقل عنهم، فنقول وبالله التوفيق. يقول النظام: "إن الله لا يقدر على أن يفعل بعباده خلاف ما فيه صلاحهم، ولا يقدر أن ينقص من نعيم أهل الجنة ذرة، لأن نعيمهم صلاح لهم، ونقصان ما فيه صلاحهم ظلم" (٢).ويقول الشهرستاني – وهو يبين رأي المعتزلة في الصلاح والأصلح-: "واتفقوا على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، وأما الأصلح ... ففي وجوبه خلاف عندهم" (٣).ويقول في موضع آخر: "وقالت المعتزلة: الحكيم لا يفعل فعلاً إلا لحكمة وغرض، والفعل من غير غرض سفه وعبث، والحكيم من يفعل لأحد أمرين؛ إما أن ينتفع أو ينتفع غيره، ولما تقدس الرب تعالى عن الانتفاع تعين أنه إنما يفعل لينفع غيره، فلا يخلو فعل من أفعاله من صلاح، ثم الأصلح هل تجب رعايته، قال بعضهم: تجب كرعاية الصلاح، وقال بعضهم: لا تجب؛ إذا الأصلح لا نهاية له، فلا أصلح إلا وقوفه ما هو أصلح منه ... " (٤).ويقول في موضع ثالث – وهو يحكي رأي جمهور المعتزلة في الأصلح -: "وقال جمهور المعتزلة ... إن الله لا يفعل بالعباد كلهم إلا ما هو أصلح لهم في دينهم وأدعى لهم إلى العمل بما أمرهم به، وأنه لا يدخر عنهم شيئاً يعلم أنهم يحتاجون إليه في أداء ما كلفهم به ... ثم يقول: وقالوا في الجواب عن مسألة من سألهم "هل يقدر الله تعالى أن يفعل بعباده أصلح مما فعله بهم؟ ". قالوا: إن أردت أنه يقدر على أمثال الذي هو أصلح، فالله يقدر على أمثاله إلى ما لا غاية له ولا نهاية، وإن أردت يقدر على شيء أصلح من هذا، أي: يفوقه في الصلاح قد ادخره عن عباده، فلم يفعله بهم؛ مع علمه بحاجتهم إليه في أداء ما كلفهم به، فإن أصلح الأشياء هو الغاية، ولا شيء يتوهم وراء الغاية فيقدر عليه أو يعجز عنه" (٥).

من هذه النصوص؛ يظهر لنا أن المعتزلة قد اتفقوا على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير؛ بل ويجب عليه ذلك.

وأما الأصلح: فقد اختلفوا فيه. فجمهورهم: يرون وجوبه على الله لأن أصلح الأشياء – عندهم – هو الغاية، وقد فعله الله بعباده، ولا شيء يتوهم وراء الغاية، فيجب أو لا يجب. وبعضهم: ذهب إلى أنه لا يجب على الله رعاية الأصلح لعباده، كبشر ابن المعتمر (٦)، لأن الأصلح لا غاية ولا نهاية له (٧).

والخلاصة: أن المعتزلة يقولون بوجوب الصلاح والأصلح؛ ما عدا بشر بن المعتمر ومن تابعه، فإنهم خالفوا في وجوب الأصلح فقط.

الفرع الثاني: مناقشة رأي المعتزلة في الصلاح والأصلح:


(١) ((نهاية الإقدام)) (ص٤٠٦).
(٢) ((الانتصار)) للخياط (ص٢١، ٢٢، ٢٥)، والبغدادي (ص١١٥)، و ((الملل)) (١/ ٥٩).
(٣) ((الملل والنحل)) (١/ ٤٥).
(٤) ((نهاية الإقدام)) (ص٣٩٧، ٣٩٨).
(٥) ((المقالات)) (١/ ٢٨٨).
(٦) ((المقالات)) (١/ ٢٨٧).
(٧) ((نهاية الإقدام)) (ص٣٩٧، ٣٩٨)، و ((المقالات)) (١/ ٢٨٧، ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>