للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: مناقشة رأي المعتزلة في الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع بيان رأي أهل السنة:]

عرفنا – عند بيان رأي المعتزلة في هذا – أنهم يرون أن الوسيلة في ذلك أن يبدأ بالأسهل إلى الأصعب، من الحسنى إلى اليد إلى السيف. وقد تعلقوا بشبهات منها، قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ... الآية [الحجرات: ٩].

وجه الدلالة: يقول القاضي: "إن الله تعالى أمر بإصلاح ذات البين أولاً؛ ثم بعد ذلك بما يليه إلى أن انتهى إلى المقاتلة ... " (١).

المناقشة:

يقال لهم: إن الترتيب الذي ورد في الآية، إنما هو بخصوص فئتين متقاتلتين، ولا يمكن أن يكون أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، إلا بمحاولة الصلح أولاً، ثم بقتال من لم يقبل ذلك ثانياً، لأن الحال الذي عليه كل من الفئتين يقتضي ذلك. أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عموماً، فهو مرتب بترتيب الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو باليد أولاً؛ وذلك بمحاولة منع ارتكاب المعاصي التي حرمها الله، وليس بقتال من يرتكبها، وإذا لم يستطع المسلم أن يغير المنكر بيده فليكن نهيه عن المنكر وأمره بالمعروف بلسانه، فإذا كان فعل اللسان، سيترتب عليه ضرراً لا يستطيع معه الأمر والنهي فلينكر المنكر بقلبه. قال صلى الله عليه وسلم – في حديث أبي سعيد الخدري -: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) (٢).وهذا هو الترتيب الذي سار عليه السلف (٣). وعلى ذلك: فاستدلال المعتزلة بالآية على أن الترتيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يبدأ من الأسهل إلى الأصعب باطل. من هذا العرض؛ تبين لنا أن المعتزلة قد خالفوا أهل السنة في ترتيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالمعتزلة يبدؤون من الأسهل إلى الأصعب من الحسنى إلى اليد إلى السيف؛ أما أهل السنة: فعلى النقيض من ذلك يبدؤون باليد من دون قتال، ثم اللسان ثم القلب (٤)؛ استناداً إلى حديث أبي سعيد الخدري: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ... ".كما أن المعتزلة يستعملون السيف في الأمر بالمعروف ... بخلاف أهل السنة، فلا يستعملونه استناداً إلى الحديث المذكور حيث قصر الإنكار على اليد ثم اللسان ثم القلب، ولم يشر إلى السيف، وإلى الأحاديث الناهية عن حمل السلاح على المسلمين والقتال بينهم مثل قوله: صلى الله عليه وسلم: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) (٥). وقوله صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه ابن عمر – رضي الله عنه -: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) (٦).واستناداً إلى القاعدة العامة إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الراجح، وبما أن إنكار المنكر بالسيف قد يؤدي إلى مفسدة أكبر من المنكر الموجود لما فيه من إثارة الفتن وسفك الدماء؛ لذا كان تركه أولى (٧).

ثانياً: مناقشة رأي المعتزلة في حكم الخروج على السلطان وقتال المخالف لهم مع بيان رأي أهل السنة:


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص١٤٤).
(٢) رواه مسلم (٤٩).
(٣) انظر ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص١٨)، وانظر ((شرح جوهرة التوحيد)) (ص٤٧٠).
(٤) انظر ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص١٨)، وانظر ((شرح جوهرة التوحيد)) (ص٤٧٠).
(٥) رواه البخاري (٧٠٧٠) , ومسلم (٩٨) , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري (١٢١) , ومسلم (٦٥) , من حديث جرير رضي الله عنه.
(٧) انظر ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص٢٠، ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>