للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع: موقف المعتزلة من الحكمة والتعليل يرى المعتزلة أنه لا يجوز أن يخلو فعل من أفعاله تعالى من حكمة وغرض، وقالوا: "قد قام الدليل على أنه تعالى حكيم، والحكيم من تكون أفعاله على إحكام وإتقان، ولا يصح أن يفعل فعلا جزافاً لا لفائدة وغاية، بل لابد أن يريد غرضا ويقصد صلاحا" (١).

كما قالوا: أن من يفعل لا لغرض يعد عابثاً، والله تعالى منزه عن العبث. وإليك ما قاله القاضي عبدالجبار المعتزلي:"إن الله سبحانه ابتدأ الخلق لعلة، نريد بذلك وجه الحكمة الذي له حسن منه الخلق، فيبطل على هذا الوجه قول من قال: إنه تعالى خلق الخلق لا لعلة، لما فيه من إيهام أنه خلقهم عبثا، لا لوجه تقتضيه الحكمة. وذلك – أي نقص من يفعل لا لغرض – ظاهر في الشاهد لأن الواحد إذا أراد النيل من غيره قال عنه: إنه يفعل الأفعال لا لعلة ولا لمعنى. فيقوم هذا القول مقام أن يقال: إنه يعبث في أفعاله، وإذا به في المدح يقول: إن فلانا يفعل أفعاله لعلة صحيحة ولمعنى حسن" (٢).

الفرق بين موقف المعتزلة والسلف: هناك فرق بين موقف السلف والمعتزلة فيما يتعلق بالحكمة والتعليل – رغم أن الجميع يثبتون تعليل أفعال الله تعالى – ومن ذلك:

١ - أن الحكمة بينما هي عند السلف صفة لله غير مخلوقة، فإنها عند المعتزلة مخلوقة منفصلة، وهي تعود على العباد ولا يعود إليه منها حكم."فالمقصود بالحكمة عندهم: إحسانه إلى الخلق ومراعاة مصالحهم، كما أن الحكمة في الأمر تعويض المكلفين بالثواب" (٣).وقالوا: الحكيم لا يفعل إلا لينتفع أو ينفع غيره، ولما تقدس تعالى عن الانتفاع تعين أنه إنما يفعل لينفع العباد، فلا يخلو فعل من أفعاله من صلاح (٤).

وقد رد عليهم السلف في هذا القول، وقالوا: إن الله حكيم، والحكيم من له الحكمة فهي صفة له، لأن إثبات المشتق يؤذن بثبوت المشتق منه، إذا فالحكمة صفه له، وصفاته تعالى غير مخلوقة.


(١) ((الشهرستاني))، ((نهاية الإقدام)) (ص٤٠٠).
(٢) القاضي عبدالجبار ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (١١/ ٩٢، ٩٣).
(٣) ابن تيمية ((الفتاوى)) (٨/ ٨٩).
(٤) الشهرستاني، (نهاية الإقدام) (ص ٣٩٧، ٣٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>