للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: موقف المدرسة العقلية الحديثة من السنة النبوية]

لقد تأثر رجال هذه المدرسة بالمعتزلة وآرائهم في الحديث النبوي الشريف، رداً وتشكيكاً، وتأثروا كذلك بالشبه التي أثارها المستشرقون، ورددوها في مواقفهم وانحرافاتهم. فعلى طريق المعتزلة (١): مجدوهم ودافعوا عنهم، هم وتلامذتهم كأحمد أمين والنشار وأبي رية. وذموا أهل الحديث وطعنوا في نهجهم. يقول الشيخ محمد عبده: " .. اللهم إلا فئة زعمت أنها نفضت غبار التقليد، وأزالت الحجب التي كانت تجول بينها وبين النظر في آيات القرآن، ومتون الأحاديث، لتفهم أحكام الله منها، ولكن هذه الفئة أضيق عطناً، وأحرج صدراً من المقلدين وإن أنكرت كثيراً من البدع .. " (٢).وينقل محمود أبو رية عن شيخه قوله: "ورحم الله أستاذنا الإمام محمد عبده حيث قال: في رجل .. قد حفظ متن البخاري كله، لقد زادت نسخة في البلد" "حقاً والله ما قال الإمام - أي أن قيمة هذا الرجل – الذي أعجب الناس جميعاً به لأنه حفظ البخاري لا تزيد عن قيمة نسخة من كتاب البخاري، لا تتحرك ولا تعي" (٣).

أهكذا بلغ الأمر بحفظة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحملة سنته حتى يسخر بهم أفراخ المعتزلة وتلامذة الغرب، وما الذي قدموه للإسلام غير الطعن فيه والإساءة إليه؟! وأحاديث الآحاد (٤): ردها الإصلاحيون، كما ردها سلفهم من أهل الاعتزال، وطعنوا فيها، لأنها تفيد ظناً، ولا مجال للظن في أمور العقائد. قال الشيخ محمد عبده: "وأما ما ورد في حديث مريم وعيسى، من أن الشيطان لم يلمسهما، وحديث إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم، وإزالة حظ الشيطان من قلبه، فهو من الأخبار الظنية، لأنه من رواية الآحاد، ولما كان موضوعها عالم الغيب، والإيمان بالغيب من قسم العقائد، وهي لا يؤخذ فيها بالظن، لقوله تعالى: وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم: ٢٨] كنا غير مكلفين بالإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا" (٥).والأحاديث صحيحة وردت في البخاري ومسلم، فحديث شق صدره صلى الله عليه وسلم وإزالة حظ الشيطان أخرجه مسلم (٦) "كتاب الإيمان ١/ ١٤٧".وحديث مس الشيطان لعيسى ابن مريم وأمه رواه البخاري (٧) وحديث إسلام شيطان النبي أخرجه مسلم كذلك (٨).وأكد هذا المنهج السيد محمد رشيد رضا بقوله: "أصول العقائد وقضايا الإيمان التي يكون بها المرء مؤمناً .. لا يتوقف شيء منها على أحاديث الآحاد" (٩).

وهناك كثير من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ردها الإصلاحيون بعقولهم وطعنوا فيها بحجة أنها أحادي آحاد، مفادها الظن، فلا تبنى على مثلها العقائد الثابتة منها:

١ - حديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.

٢ - أحاديث الدجال والجساسة.

٣ - حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم.

٤ - حديث المعراج.

٥ - حديث وقوع الذباب في الإناء.

٦ - حديث إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة.


(١) انظر: ((موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية)) إعداد الطالب الأمين الصادق الأمين، رسالة ماجستير/ أم القرآن ١٤١٤هـ (ص ٦٢٨) و (ص ٧١٤).
(٢) ((الإسلام والنصرانية)) الشيخ محمد عبده، مطبعة محمد علي صبيح/ ١٩٥٤م.
(٣) ((أضواء على السنة المحمدية)) محمود أبو رية، (ص ٣٢٩)، مطبعة التأليف بمصر، ط أولى/ ١٣٧٧هـ - ١٩٥٨م.
(٤) انظر: ((موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية)) (ص ٦٣٨ - ٦٤٣).
(٥) ((تفسير المنار)) (٣/ ٣٩٢)، محمد رشيد رضا، دار المنار/ ١٩٦٧م مصر.
(٦) وانظر: ((صحيح البخاري))، كتاب الصلاة (١/ ٩١ - ٩٣)، وكتاب الحج (٢/ ١٦٧).
(٧) ((صحيح البخاري)) (٣٤٣١)، ومسلم (٢٣٦٦)
(٨) ((صحيح مسلم)) (٢٨١٤).
(٩) ((مجلة المنار))، المجلد (١٩)، (ص: ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>