للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو على العرش والأشياء استوى وإذا ... عدلت فهو استواء غير ما عقلا

وإنما استوى ملك ومقدرة ... له على كلها استيلاء وقد عدلا

كما يقال استوى سلطانهم فعلا ... على البلاد فحاز السهل والجبلا (١)

وأنهم يشاركون في تأويل الصفات الخبرية غيرهم من الفرق المأولة كالمعتزلة والأشاعرة وفيما يتعلق بالصفات الخبرية التي ذكرنا تأويلها التي أولها السالمي في أبياته السابقة.

فقد شنع الورجلاني أيضاً على الذين يثبتونها لله مدعياً أنهم رجعوا بذلك إلى التشبيه الذي وقع فيه عباد الأوثان ومن هذه الصفات التي أوردها صفات: اليد، والوجه، والجنب، والساق، والعين، واليمين، والاستواء، وهو يرى أن مخالفي الإباضية المثبتين لتلك الصفات يمتنعون - كما يقول - من مذهب المسلمين الذين صرفوا هذه المعاني إلى ما يليق بالباري سبحانه وتعالى وموجود في لغة العرب أن اليد النعمة والقدرة والوجه ذاته، واليمين القدرة والقوة، والجنب والكتف والساق والشدة".ثم قال أيضا: "ولم يصرحوا (أي الإباضية) بالمعنى المكروه والأولون (أي المثبتون لتلك الصفات بدون تأويل) قد ردوا على الله عز وجل قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ تجاهلوا فهم جاهلون" (٢).وقد استدل العيزابي عقلياً على ضرورة تأويل تلك الصفات بقوله في الاستواء: "الحمد لله الذي استوى على العرش أي ملك الخلق واستولى عليه وإلا لزم التحيز وصفات الخلق" (٣).وقال في الحجاب: "الحمد لله الذي احتجب عن خلقه لا بحجاب إذ الحجاب من صفات خلقه بل بمنه إياهم عن مشاهدته" (٤).

وهكذا قال في النزول والمجيء وغيرها من صفات أخرى ذكرها ثم أولها تأويلاً باطلاً لا معنى له غير التعطيل.

وقد عقد الربيع بن حبيب فصلاً في مسنده "الجامع الصحيح" أورد فيه عدة أحاديث عن الصحابة، كلها تشير إلى التأويل المحض للصفات التي تقدم ذكرها، وغيرها عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما من الصحابة بما لا يمكن استقصاؤه هنا.

فقد فسر فيما يرويه عن ابن عباس وغيره قوله تعالى وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: ٦٧] , أي في ملكه، وفسر اليد "بالملك والقدرة" ومثلها اليمين، وأن قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ أي بل رزقه مبسوط على جميع خلقه.

وفسر مجيء الله بمجيء أمره لفصل القضاء.

وأول قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥] , إلى معنى ارتفاع ذكره، وثناؤه على خلقه. وفسر الوجه بالذات، والعين بالحفظ، والنفس بالعلم، والسابق بالشدة، وهكذا يورد الربيع بن حبيب الأحاديث والآثار الكثيرة في تأويل الصفات وإنكار الرؤية (٥).

والواقع أن موضوع الصفات الإلهية من أهم الموضوعات في مباحث الإلهيات؛ وذلك لعلاقته بتوحيد الله تعالى في ذاته وصفاته.

ولسنا بصدد عرض اختلافات المذاهب في تلك القضية بين التعطيل والتمثيل والتأويل، ولكننا نقتصر في المقام على مجرد التعقيب على رأي الإباضية مبينين ما فيه من زيف وبطلان على هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم.


(١) ((غاية المراد)) (ص ٧).
(٢) ((الدليل لأهل العقول)) (ص ٣٢).
(٣) ((الحجة في بيان المحجة)) (ص ٦).
(٤) ((الحجة في بيان المحجة)) (ص ١٨).
(٥) انظر: ((الجامع الصحيح)) من (ص ٣٥ - ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>