للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - القول بخلق القرآن]

هذه المسألة من المسائل التي أخذت من الوقت والجهد وشدة الجدال بين أرباب المذاهب الكلامية أكثر مما ينبغي لها، فقد سفكت بسببها دماء كثيرة وجرت من أجلها محن عظيمة وبلايا متتالية على العلماء في زمن المأمون والمعتصم، واشتد الأمر وغصت السجون بالمخالفين فيها القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.

وكان أكبر من تزعم تلك الفتنة ابن أبي دؤاد الذي اشتهر بأنه من أكابر من ناضل في سبيل القول بخلق القرآن، فغلب المأمون على أمره ووقع تحت تأثيره، وجرى ما قد كتبه الله في سابق علمه.

ولست الآن بصدد التأريخ لما حدث في تلك الفتنة وإنما نقصد هنا بيان رأي الخوارج في مسألة القول بخلق القرآن، الذي لم يعد – ولله الحمد – يذكر على لسان أحد إلا في بطون الكتب وبين مدارسات العلماء. لقد ذكر علماء الفرق أن الخوارج قد قالوا بخلق القرآن واعتقدوه حقاً لا يمارى فيه بزعمهم، ولهم شبه واهية وتأويلات بعيدة، وفي ذلك يروي الأشعري أن الخوارج كلهم يقولون بأن القرآن مخلوق بإجماع منهم على هذا الحكم فيقول: " والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن" (١).ويقول ابن جميع الإباضي في مقدمة التوحيد: " وليس منا من قال إن القرآن غير مخلوق" (٢).وقد بين الورجلاني الإباضي أدلتهم على خلق القرآن، وناقش فيه المخالفين لهم بقوله: "والدليل على خلق القرآن أن لأهل الحق عليهم أدلة كثيرة، وأعظمها استدلالهم على خلقه بالأدلة الدالة على خلقهم هم فإن أبوا من خلق القرآن أبينا لهم من خلقهم، وقد وصفه الله عز وجل في كتابه وجعله قرآناً عربياً مجعولاً " (٣).


(١) [٨٤١٢])) ((المقالات)) (١/ ٢٠٣).
(٢) [٨٤١٣])) ((مقدمة التوحيد)) (ص ١٩).
(٣) [٨٤١٤])) ((الدليل لأهل العقول)) (ص ٥٠)، ثم انظر: (ص ٦٨ – ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>