للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: العلاقة بين الإسلام والإيمان لا يرى الخوارج أن هناك فرقاً بين مفهومي الإيمان والإسلام، فهما بمعنى واحد عندهم، وفي هذا يقول ابن تيمية في معرض بيانه لأقوال الناس في الإيمان والإسلام: "وآخرون يقولون: الإيمان والإسلام سواء، وهم المعتزلة والخوارج وطائفة من أهل الحديث والسنة" (١).ويقول الطالبي: "ومن هنا فإن الخوارج وحدوا بين مفهوم الإيمان ومفهوم الإسلام، أي بين الاعتقاد والفعل – على حد تعبيره – ففلسفتهم فلسفة عملية واقعية" (٢).وقد وافق الخوارج بهذا القول ما يراه بعض أهل السنة، كالبخاري رحمه الله، فإنه يرى أن الإسلام والإيمان مترادفان كما نقل عنه ابن حجر ذلك (٣).وهو أيضاً رأي لبعض علماء الفرق، كابن حزم الظاهري، فإنه يرى أن الإسلام هو الإيمان، والإيمان هو الإسلام، لا فرق بينهما، واستدل بهذه الآية الكريمة: فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات: ٣٥ – ٣٦]، قال: "فهذا نص جلي على أن الإسلام هو الإيمان، وقد وجب قبل بما ذكرنا أن أعمال البر كلها هي الإسلام، والإسلام هو الإيمان، فأعمال البر كلها إيمان، وهذا برهان ضروري لا محيد عنه" (٤).ويذكر الأشعري أن من اعتقاد أصحاب الحديث، وأهل السنة أن الإسلام عندهم غير الإيمان (٥).وقد قال الشهرستاني أيضاً بالتفريق بين معنى الإسلام والإيمان والإحسان، وذلك في قوله: "فكان الإسلام مبدأ والإيمان وسطاً والإحسان كمالاً" (٦).ويرى ابن تيمية أن بين الإسلام والإيمان تداخلاً، فالإيمان أخص من الإسلام وإذا ثبت الأخص ثبت الأعم، ولا عكس، بحيث لا يوصف بالإيمان من ثبت له وصف الإسلام فقط إلا بدليل منفصل، يقول ابن تيمية: "فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة، لكن هو درجات ثلاث: مسلم ثم مؤمن ثم محسن، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين" (٧).ويؤكد ابن تيمية هذا المعنى أيضاً بقوله: "الإسلام فرض، والإيمان فرض، والإسلام داخل فيه، فمن أتى بالإيمان الذي أمر به فلابد أن يكون قد أتى بالإسلام المتناول لجميع الأعمال الواجبة، ومن أتى بما سمي إسلاماً لم يلزم أن يكون قد أتى بالإيمان إلا بدليل منفصل" (٨).


(١) ((الإيمان)) (ص٣٥٤).
(٢) ((آراء الخوارج)) ص١٣٩).
(٣) ((فتح الباري)) (١/ ٥٥).
(٤) ((الفصل)) (٣/ ١٩٥).
(٥) ((المقالات)) (١/ ٣٤٧).
(٦) ((الملل والنحل)) (١/ ٤٠/٤١).
(٧) كتاب ((الإيمان)) (ص٧).
(٨) كتاب ((الإيمان)) (ص٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>