للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عند الإباضية]

يقف الإباضية من هذه المسألة بين أمرين، بين النفي من جهة، والإثبات من جهة أخرى. وذلك باعتبارين مختلفين: فإثباتهم للمنزلة بين المنزلتين يقصدون به النفاق الذي يحكمون به على مرتكب الكبيرة - كما قدمنا - حيث يثبتونه منزلة بين منزلة الإيمان والشرك، ويبدو كذلك أن النفاق عندهم معنى مرادفاً لمعنى كفر النعمة، بل هذا هو ما يؤكده كلام أبي إسحاق الإباضي مثبتاً رأيهم في أنهم يطلقون النفاق على الكبائر المرادفة لكفر النعمة حيث يقول: "ولهذا أطلق أصحابنا النفاق عليها - يعني بها الكبائر - كما أطلقوا الكفر، فصار النفاق فيها مرادفاً لكفر النعمة" (١) وكذلك يعتبر تبغورين الإباضي أن الحكم بالنفاق على مرتكبي الكبائر يتساوى مع الحكم عليهم بكفر النعمة، فهو يقسم الناس إلى ثلاث فرق: مؤمنون ومشركون ومنافقون، وهذا القسم الأخير يعتبرهم موحدين وليسوا بمشركين ولا بمؤمنين، وهو يقول في ذلك: "الفريق الثالث - ويعني بهم المنافقين - هم قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام ولكنهم لم يلتزموا به سلوكاً وعبادة فهم ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم ليسوا بمؤمنين لأنهم لا يلتزمون ما يقتضيه الإيمان" (٢) ... إلى أن يقول: "وقد أطلق الإباضية على هذا القسم الثالث اسم المنافقين وكفار النعمة" (٣) فالنفاق كما هو واضح مرادف لكفر النعمة وهو المراد بالمنزلة بين المنزلتين عندهم، وقد قال أيضاً في تأكيد هذا: "الأصل الخامس في المنزلة بين المنزلتين وهو النفاق بين الشرك والإيمان" (٤) ويقول الجناوني أيضاً في هذا المعنى - بالإضافة إلى بيان تبغورين السابق: "وأما المنزلة بين المنزلتين فهي منزلة النفاق بين منزلة الإيمان ومنزلة الشرك" (٥). ثم استدل بقوله تعالى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:٧٣].

فالإباضية يعتبرون المنافق في منزلة بين المنزلتين هما منزلة الشرك والإيمان كما قدمنا، ثم يجعلون المنافق موحداً، فمنزلة التوحيد هذه تقع إذاً بين منزلتي الشرك والإيمان، كما قال أبو محمد عبدالله بن سعيد السدويكشي في حاشيته على متن الديانات لأبي ساكن عامر بن علي الشماخي؛ شارحاً ما قاله أبو ساكن في هذا الموضوع: "قوله: ندين بأن منزلة النفاق بين منزلة الإيمان ومنزلة الشرك: يعني أن المنافق ليس بمشرك ولا بؤمن بل هو موحد".ثم يمضي في شرحه إلى أن يقول: "الحاصل أنا نقول بمنزلة النفاق بين منزلة الإيمان والشرك، ونقول بأن لا منزلة بين الإيمان والكفر" (٦) ثم إن الإباضية يرون بعد هذا أن النفاق لا يكون إلا في الأفعال لا في الاعتقاد كما يقول السدويكشي أيضاً: "والذي عليه أصحابنا ومن وافقهم أن النفاق في الأفعال لا في الاعتقاد" (٧).


(١) نقلا عن ((الإباضية بين الفرق)) (ص٣٢٢).
(٢) ((الإباضية بين الفرق)) (ص٣٢٠).
(٣) ((الإباضية بين الفرق)) (ص٣٢١).
(٤) ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) (ص٣١٦).
(٥) كتاب ((الوضع)).
(٦) نقلا عن ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) عن كتاب ((المقالات)) (ص٣١٥)
(٧) نقلا عن ((الإباضية بين الفرق)) (ص٣١٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>