للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرابع: وجوب الوعد والوعيد ظهر فيما سبق أن الخوارج يقولون بأن العصاة من أهل الكبائر إذا ماتوا على كبائرهم دون توبة - إنهم ليس لهم إلا مصير واحد وهو النار مخلدين فيها، وقولهم هذا وقول المعتزلة في هذا الموضوع قول واحد وهو تخليدهم في النار، إلا أن الخوارج يرون أن عذابهم كعذاب الكفار، والمعتزلة تخالفهم في هذا وترى أن عذابهم ليس كعذاب الكفار (١)، بل هم أقل منهم في الدرجة حتى مع خلودهم في النار. قال الأشعري: "وأجمع أصحاب الوعيد من المعتزلة أن من أدخله الله النار خلده فيها" (٢).

فالخوارج كما هو المشهور عنهم وكما تبين مما سبق بحثه أنهم من أشد الفرق الإسلامية مبالغة في مسألة ارتكاب الذنوب وإخراج أهلها من الإيمان؛ إذ أن الإيمان قول وعمل، فإذا خالف عمله الحق بارتكاب بعض الذنوب فلا بقاء لإيمانه وهو من أصحاب النار، وقد وصف الله نفسه بأنه عدل يجازي كل واحد بما عمل وهو علام الغيوب، فلا يمكن أن يكون المؤمن والكافر والطائع والعاصي والبر والفاجر في ميزانه تعالى واحدا؛ فهذا خلاف العدل الذي تنزه الله عنه وإلا كان الأمر بالإيمان والطاعة والنهي عن الكفر والمعاصي لا معنى له.

ثم قالوا: إن الله صادق، وقد قال في كتابه الكريم: إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:٩]، وقال تعالى: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [ق: ٢٨،٢٩]، فلا يتصور أن يخلف الله وعده أو وعيده وإلا جاز عليه القول بأنه يقول شيئا ثم يبدو له أن المصلحة في خلافه فيترك الأول، وهذا مستحيل على الله، وهو من صفات الناس لنقص عقولهم وتجدد الأمور لديهم.


(١) ((المقالات)) (١/ ٢٠٤).
(٢) ((المقالات)) (ص٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>