للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أ- أدلتهم من الكتاب والرد عليها:]

استدل الخوارج على مذهبهم بقوله تعالى:

١ - وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: ٤٤].ووجه استدلالهم بالآية أنهم ادعوا شمولها للفساق لأن الفاسق لم يحكم بما أنزل الله فيجب أن يكون كافرا كما هو ظاهر الآية، "وهذا نص صريح في موضع النزاع" (١). كما قالوا: لأن كل مرتكب للذنوب لابد وأنه قد حكم بغير ما أنزل الله فهو داخل تحت هذا الخطاب.

والرد عليهم أنا نقول لهم: إما أن يكون الشخص مستح للحكم بغير ما أنزل الله ولم يجعله له دستورا ولم يرجع إليه بالكلية؛ فهذا لا شك في كفره ولا خلاف حينئذ، وإما أن يكون الشخص غير مستحل للحكم بغير ما أنزل الله ويعترف بأن القرآن هو المرجع الوحيد للأحكام ولكنه يحكم في بعض أموره بغير ما أنزل الله فهذا لا يخرج عن دائرة الإيمان ما دام أنه غير مستحل لمخالفته الكتاب والسنة، بل يدعي أنه مسلم وأنه يطبق حكم الله ولكنه يخرج عنه أحيانا. وفي هذا يقول ابن عباس في معنى قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ... إلخ الآية: "من جحد الحكم بما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق" (٢).وقال أيضا: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفر ينقل من الملة بل دون كفره" (٣).وقال عطاء بن أبي رباح معنى قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ... هُمُ الظَّالِمُونَ ... هُمُ الْفَاسِقُونَ -: "قال: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق" (٤).وقد أورد الشوكاني في معناها عدة أقوال ومنها أن هذا الحكم "محمول على أن الحكم بغير ما انزل الله وقع استخفافا أو استحلالا أو جحدا" (٥).

وقد أجاب أبو جعفر بن أحمد عن استدلال الخوارج بالآية هذه بقوله: "وجوابنا أن هذا مما لا يصح لكم التعلق به؛ لأن صريح هذه الآية ينطق بأن من لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر؛ لأن "ما" تقتضي العموم والاستغراق وهذا مما لا نخالفكم فيه فإنا نقول: من لم يحكم بكل ما أنزل الله فهو كافر ولكن ليست هذه حال الفاسق الذي اختلفنا فيه؛ فإنه ما من فاسق إلا وقد حكم بكثير مما أنزل الله".ثم بين وجها آخر لمعنى الآية وهو أن تكون واردة في المستحل - كما قدمنا - قال: "فيتأول الآية على ما ذكرناه أولا من أن من لم يحكم بشيء مما أنزل الله فهو كافر، وعلى أن من لم يحكم بما أنزل الله مستحلا ورادا على الله فهو كافر" (٦).ويقول القاضي عبدالجبار: "إن الآية وردت في شأن اليهود ولا شك في كفر اليهود" (٧).

وهو قول لبعض المفسرين؛ فقد أورد الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية أربعة أقوال في المراد بهذه الصفة، ونسب كل قول إلى من قال به من السلف. وهذه الأقوال الأربعة نلخصها بإيجاز فيما يلي:

القول الأول: أن لاكفر في هذا الموضع يراد به اليهود بخصوصهم لجحدهم الكثير من الأحكام التي كانت في التوراة، كحكمهم في الزانين المحصنين وكتمانهم الرجم، وقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة وفي بعض بنصف الدية على حسب هواهم، وكحكمهم في الأشراف بالقصاص وفي الأدنياء بالدية.


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧٢٢).
(٢) ((فتح القدير)) (٢/ ٤٥).
(٣) ((فتح القدير)) (٢/ ٤٥).
(٤) ((فتح القدير)) (٢/ ٤٥).
(٥) ((فتح القدير)) (٢/ ٤٢).
(٦) ((إبانة المناهج)) (ص١٦٤).
(٧) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٧٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>