للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: وحدة الإمامة]

يرى أكثر الخوارج كغيرهم من الفرق أن الإمامة يجب أن تسند إلى إمام واحد، وأن البيعة تلزم للمتقدم، فمهما كان صلاح الأخير وفضله لا ينبغي العدول إليه، بل يجب قتاله حتى يعود إلى من رضيت به الأمة، والقول بإقامة إمام واحد مسألة بدهية أطبق عليها جميع العقلاء، إذ لا يمكن أن تتحقق المصلحة وتجتمع الكلمة إلا برجوع الجميع إلى إمام واحد تختاره الجماعة من أهل الحل والعقد، يرعى المصالح ويرد الظالم عن ظلمه ويوصل كل حق إلى صاحبه فهل خرج عن هذا الأمر الواضح أحد؟ نعم لقد خرج عنه بعض الخوارج وهم الحمزية والخلفية من الإباضية فجوزوا أن يجتمع إمامان في وقت واحد، فيذكر الشهرستاني عن رئيس فرقة الحمزية قول: " وجوز حمزة إمامين في عصر واحد مالم تجتمع الكلمة ولم تقهر الأعداء" (١).أما الخلفية من الخوارج الإباضية فقد رأت أن كل إقليم ينبغي أن يكون مستقلاً عن الآخر لا يخضع إقليم لإقليم أو منطقة لمنطقة أخرى، ويكون لهذه المناطق أئمة بعدد مناطق تلك الحوزة من الأرض، قال أبو حفص عمرو بن جميع الإباضي: "وذهبت الخلفية من الإباضية إلى أن كل إقليم أو حوزة يستقل بها إمامها فلا يجوز لإمام أن يجمع بين حوزتين" (٢).

والواقع أن هذا مما لا يتفق مع روح الإسلام وأهدافه، فإن تاريخ المسلمين الأوائل لم يعد فيه منهم إلا اختيار إمام واحد للمسلمين جميعاً، ويكون الذي يعين ولاته على الأمصار والجهات المختلفة فلا يستقل كل وال بإقليمه وإنما يكونون جميعاً تحت قيادة هذا الإمام الواحد، ولأن المؤمنين أمة واحدة فلا ينبغي أن يكون لها إمام واحد، وتعدد الأئمة في الأقاليم المختلفة كما تدعو إليه الخلفية لا ينتج عنه إلا كثرة المشاحنات وظهور الاختلافات بين هذه الأقاليم وضعف المسلمين كما يدلنا تاريخهم عندما تفرقت دويلاتهم وانفردت كل مجموعة من الناس برئيس حتى ضعفوا. وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم)) (٣). وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: ((من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعمه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)) (٤). وهذا يرشدنا إلى المنع من تعدد الأئمة الذي نتج عنه كثرة الاختلافات والمشاحنات كما يدل عليه تاريخ المسلمين قديماً وحديثاً حتى تفرقت كلمة المسلمين وضعفت الرابطة الإسلامية التي كانت مصدر عز الإسلام وقوته.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٤٠٦


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٠).
(٢) نقلاً عن ((آراء الخوارج)) (ص ١٢٨)، ولكن عموم الإباضية لا تجيز هذا، انظر ((مدارج الكمال)) (ص ١٧٢).
(٣) رواه البخاري (٣٤٥٥)، ومسلم (١٨٤٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم (١٨٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>