للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع: التأكيد على أسباب الاجتماع وبيان طرق تأليف قلوب المسلمين لقد سلكت النصوص الواردة في النهي عن الفرقة هذا المسلك للتأكيد على النهي عن الفرقة والأمر بلزوم الجماعة إذ الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة أصل من أصول الإسلام العظيمة وقاعدة من قواعد الدين يقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: " وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعا وأن لا يتفرق هو من أعظم أصول الإسلام, ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم ومما عظمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن عامة وخاصة. (١) ويقول أيضا: وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين (٢)

والناظر في أركان الإسلام الخمسة يجد أن هذا الأصل قد تجلى بوضوح في هذه الأركان .... فالركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعقيدة التوحيد هي أعظم ما يجمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إذ هذه الكلمة ينطقها كل مسلم عربي أو غير عربي.

وبوحدة المعتقد تتحقق وحدة الجماعة ومتى ما كان المعتقد خالصا صافيا صائبا كانت الجماعة مجتمعة ملتئمة أما إن دب الخلاف في العقيدة تلاه اختلاف في الجماعة وتفرق. ثم إن وحدة المعتقد ووحدة الجماعة مما رضيه الله لنا ففي الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)) (٣). فقرن هنا بين وحدة المعتقد على توحيد الله ووحدة الجماعة على الاعتصام بحبل الله.

أما الركن الثاني وهو الصلوات الخمس المفروضة فهي أنموذج أمثل للوحدة بين المسلمين في اتحادهم في عددها وأركانها وشروطها وكيفيتها مما يجمع المسلمين ومما يجتمعون عليه. بالصلاة يعرف المسلم من الكافر إذ هي عمود الدين ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العهد الذي بيننا بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) (٤) ثم إن في أداء الصلاة جماعة في المسجد مثال واضح لكيفية تأليف القلوب واتحاد الجماعة باتحاد الأبدان في أداء فعل واحد في مكان واحد خلف إمام واحد، لذلك جاء الأمر بتسوية صفوف الصلاة وإتمامها الأول فالأول, والإشارة إلى أن اختلاف الصف في الصلاة سبب لاختلاف القلوب وتنافر النفوس يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) (٥) أي: إذا تقدم بعضكم على بعض في الصفوف تأثرت قلوبكم ونشأ بينكم الخلف ومنه الحديث الآخر: ((لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) (٦) يريد أن كلا منهم يصرف وجهه عن الآخر ويوقع بينهم التباغض فإن إقبال الوجه على الوجه من أثر المودة والألفة (٧)


(١) ([٩٠]) ((الفتاوى)) (٢٢/ ٢١١) وانظر ((الاستقامة)) له (١/ ٢٤).
(٢) ([٩١]) ((الفتاوى)) (٢٨/ ٣٣)، و ((شرح صحيح مسلم)) (١٢/ ١١) للنووي.
(٣) ([٩٢]) رواه مسلم (١٧١٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه الترمذي (٢٦٢١) والنسائي (٤٦٣) وابن ماجه (١٠٧٩) وأحمد (٥/ ٣٤٦) (٢٢٩٨٧). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٤٩٢) كما أشار لذلك في مقدمته. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٥) ([٩٤]) رواه مسلم (٤٣٢). من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
(٦) ([٩٥]) رواه البخاري (٧١٧)، ومسلم (٤٣٦). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٧) ([٩٦]) انظر ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (٢/ ٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>