للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ب- موقفهم من بعض كبار الصحابة]

يعتقد الخوارج تكفير بعض الصحابة رضي الله عنهم مع أن بعضهم من المشهود لهم بالجنة، ولكن الخوارج حسب اعتقادهم المعكوس فهم يرون أنهم قد كفروا ببعض الذنوب التي اقترفوها مع أنها كانت في الحقيقة لم تكن ذنوبا أو كانت ناتجة عن اجتهاد كما سيتضح لنا ذلك فيما بعد، نقول هذا عنهم ونحن نقطع بأنه لا عصمة لبشر عن الذنوب بعد الأنبياء. وأول من اشتد الخوارج في تكفيرهم من الصحابة – بعد عثمان وعلي رضي الله عنهما – معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وأهل التحكيم ومن رضي بهم من غيرهم، قال الأشعري: "ويكفرون معاوية وعمر بن العاص وأبا موسى الأشعري" (١).وقد وقفوا موقف العداء المستحكم من معاوية وعمرو بن العاص فكفروهما، ووصفوهما بكل صفة سوء ونفوا عنهما كل خير، بل وأثبتوا لهما النار، كما يقول الورجلاني: "وأما معاوية ووزيره عمرو بن العاص فهما على ضلالة لانتحالهما ما ليس لهما بحال، ومن حارب المهاجرين والأنصار فرقت بينهما الدار وصار من أهل النار (٢)، ولا يستبعد منهم أن يقفوا هذا الموقف، بل وأشد منه ما داموا قد وقفوا ممن هو خير منهما ذلك الموقف المشين ..

وقد وصف زعيم الإباضية عن عبدالله بن إباض معاوية بن أبي سفيان – كما جاء في كتابه إلى عبدالملك – بعدة صفات يزعم فيها أن الرجل يكفر بأقل منها، فقد جاء في ذلك الكتاب قوله: "فلا تسأل عن معاوية ولا عن عمله ولا صنيعه، غير أنا قد أدركناه ورأينا عمله وسيرته في الناس، ولا نعلم من الناس شيئا لأحد أترك من الغنيمة التي قسم الله، ولا يحكم بحكم حكمه الله، ولا أسفك لدم حرام منه، فلو لم يصب من الدماء إلا دم ابن سمية لكان في ذلك ما يكفره".ثم قال مبينا رأي الإباضية في عثمان ومعاوية ويزيد جميعا: "فإنا نشهد الله وملائكته أنا براء منهم وأعداء لهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا، نعيش على ذلك ما عشنا ونموت عليه إذا متنا ونبعث عليه إذا بعثنا، نحاسب بذلك عند الله" (٣).وفي كل ما تقدم مخالفة صريحة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)) (٤)؛ مما يقتضي عفة لسان المسلم عن أن يخوض في أعراض هؤلاء الصحابة على هذا النحو الشائن، فضلا عن مخالفتهم لما ورد في معاوية وعمرو بن العاص من ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يجب أن نكل أمرهما إلى الله في ما اجتهدا فيه من أمر.


(١) ((المقالات)) (١/ ٢٠٤).
(٢) ((الدليل لأهل العقول)) (ص٢٨).
(٣) ((كشف الغمة)) (ص٢٩٥).
(٤) رواه البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤١). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>