للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: عقائد الإباضية]

من الأمور الطبيعية أن تخرج هذه الفرقة وغيرها من الفرق عن المعتقد السليم في بعض القضايا ما دامت قد خرجت عن أهل السنة والجماعة وارتكبت التأويل، ولا بد كذلك أن توجد لها أقوال فقهية تخالف فيها الحق إلى جانب أقوالهم في العقيدة، ولا يسعنا هنا ذكر جميع مبادئ فرقة الإباضية العقديّة والفقهية، فهذا له بحث مستقل خصوصاً ما يتعلق بالمسائل الفقهية، فإن دارس الفرق قلما يوجه همه إلى إيضاحها وتفصيلاتها إلا عند الضرورة.

والذي نود الإشارة إليه هنا أن للإباضية أفكاراً عقدية وافقوا فيها أهل الحق، وعقائد أخرى جانبوا فيها الصواب.

١ - أما ما يتعلق بصفات الله تعالى: فإن مذهب الإباضية فيها أنهم انقسموا إلى فريقين: فريق نفى الصفات نفياً تاماً خوفاً من التشبيه بزعمهم، وفريق منهم يرجعون الصفات إلى الذات، فقالوا إن الله عالم بذاته وقادر بذاته وسميع بذاته إلى آخر الصفات، فالصفات عندهم عين الذات، قال أحمد بن النضر:

وهو السميع بلا أداة تسمع ... إلا بقدرة قادر وحداني

وهو البصير بغير عين ركبت ... في الرأس بالأجفان واللحظان

جل المهيمن عن مقال مكيف ... أو أن ينال دراكه بمكان

ويقول السالمي:

أسماؤه وصفات الذات ... ليس بغير الذات بل عينها فافهم ولا تحلا

وهو على العرش والأشيا استوى ... وإذا عدلت فهو استواء غير ما عقلا

وإنما استوى ملك ومقدرة ... له على كلها استيلاء وقد عدلا

كما يقال استوى سلطانهم فعلى ... على البلاد فحاز السهل والجبلا (١)

وقال العيزابي منهم: (الحمد لله الذي استوى على العرش أي ملك الخلق واستولى عليه، وإلا لزم التحيز وصفات الخلق) وهذا في حقيقته نفي للصفات، ولكنه نفي مغطى بحيلة إرجاعها إلى الذات وعدم مشابهتها لصفات الخلق، وقد شنع الورجلاني منهم على الذين يثبتون الصفات بأنهم مشبهة كعباد الأوثان، وأن مذهب أهل السنة هو –حسب زعمه- تأويل الصفات، فاليد النعمة والقدرة، والوجه الذات ومجيء الله مجيء أمره لفصل القضاء، لأن إثبات هذه الصفات لله هو عين التشبيه؛ كما يزعم (٢).ومعلوم لطلاب العلم أن هذا ليس هو مذهب السلف الذين يثبتون الصفات لله كما وصف نفسه في كتابه الكريم ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل. قال ابن تيمية في بيان مذهب السلف: (إنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل) (٣) ويقول ابن القيم: (لا ريب أن الله وصف نفسه بصفات وسمى نفسه بأسماء، وأخبر عن نفسه بأفعال، وأخبر أنه يحب ويكره ويمقت ويغضب ويسخط ويجيء ويأتي وينزل إلى السماء الدنيا، وأنه استوى على عرشه، وأن له علماً وحياة وقدرة وإرادة وسمعاً وبصراً ووجهاً، وأن له يدين وأنه فوق عباده، وأن الملائكة تعرج إليه وتنزل من عنده، وأنه قريب، وأنه مع المحسنين ومع الصابرين ومع المتقين، وأن السماوات مطويات بيمينه، ووصفه رسوله بأنه يفرح ويضحك، وأن قلوب العباد بين أصابعه وغير ذلك) (٤).

فهل يعتبر هذا الوصف تشبيه لله بخلقه؟ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ [البقرة: ١٤٠].

وطريقة السلف في إثبات كل صفة لله، أنهم يقولون فيها: إنها معلومة والكيف مجهول والسؤال عنها بدعة، وأن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١]. وهذه الآية أساس واضح في إثبات الصفات لله.


(١) ((غاية المراد)) (ص٧).
(٢) ((الحجة في بيان المحجة)) (ص٦، ١٨).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٦).
(٤) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (١٦ - ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>