للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: التعريف بمحمد بن الحنفية واختلاف الشيعة بعده]

أما ابن الحنفية الذي جعله المختار واجهة له ... فهو محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه خولة، قيل: بنت جعفر، وقيل: بنت أياس الحنفية، وهي من سبي اليمامة في حروب الردة، صارت إلى علي. وقيل: إنها سندية وكانت أمة لبني حنيفة فنسبت إليهم.

ولد ابن الحنفية سنة ١٦هـ في عهد عمر بن الخطاب، ونشأ شجاعاً فاضلاً عالماً، دفع إليه أبوه الراية يوم الجمل وعمره ٢١سنة، وقد تنقل بعد وفاة والده فرجع إلى المدينة ثم انتقل إلى مكة ثم منى في عهد ابن الزبير ثم إلى الطائف، ثم قصد عبد الملك بن مروان بالشام وتوفي سنة ٨١هـ قيل بالطائف، وقيل بأيلة من فلسطين، وقيل لم يمت بل حبسه الله في جبل رضوى القريب من ينبع، وهذا من تحريف الشيعة.

وبعد وفاته اختلف الشيعة فيما بينهم:

فذهب بعضهم إلى أنه مات وسيرجع. وذهب آخرون إلى أنه لا زال حياً بجبل رضوى قرب المدينة عنده عينان نضاختان، إحداهما تفيض عسلاً، والأخرى تفيض ماءً، عن يمينه أسد يحرسه، وعن يساره نمرٌ يحرسه، والملائكة تراجعه الكلام، وأنه المهدي المنتظر، وأن الله حبسه هناك إلى أن يؤذن له في الخروج، فيخرج ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

وفي هذه الخرافات يقول السيد الحميري أو كثيرعزة على رواية في قصيدة له:

ألا حي المقيم بشعب رضوى ... واهد له بمنزله السلاما

وقل ياابن الوصي فدتك نفسي ... أطلتَ بذلك الجبل المقاما

وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما

لقد أمسى بجانب شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما

وإن له لرزقاً كل يوم ... وأشربه يعل بها الطعاما

أضر بمعشر وآلوك منا ... وسموك الخليفة والإماما

وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك عنهم سبعين عاما

وقد اختلف الكيسانية في سبب حبس ابن الحنفية بجبل رضوى:

ذهب بعضهم - وأراد أن يقطع التساؤل- إلى القول بأن سبب حبسه سر الله، لا يعلمه أحد غيره، وهو تخلص من هذه الكذبة التي زعموها في حبسه.

وبعضهم قال: إنه عقاب من الله له بسبب خروجه بعد قتل الحسين إلى يزيد بن معاوية، وطلبه الأمان له، وأخذه عطاءه. بعضهم قال: إنه بسبب خروجه من مكة قاصداً عبد الملك بن مروان هارباً من ابن الزبير ولم يقاتله (١).

والحقيقة أنك لا تدري كيف تبلدت عقول هؤلاء إلى حد أن يعتقدوا هذا الاعتقاد الغريب في أن الله غضب على ابن الحنفية من مجرد زيارته لهؤلاء الحكام من المسلمين، والذين لهم يد مشكورة في انتشار رقعة الإسلام، فأوصل الله –بزعمهم- عقابه إلى هذا الحد من السنين الطويلة التي شكى منها الحميري سبعين عاماً، وقد بقي الكثير جداً والتي ستمتد إلى أن يغير هؤلاء الحمقى عقيدتهم هذه.

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ١/ ٣٣٢


(١) أوردها القمي في "مقالاته" (ص٢١ - ٣٢)، والنوبختي في "فرقه" (ص٥١) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>