للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: موقف زيد من حكام بني أمية]

خرج زيد على الحكام الأمويين، وأشهر السلاح في وجوههم، فما هو الدافع لزيد على هذا الخروج؟ والجواب هو حسب ما قيل في بعض المصادر أن زيداً خرج على بني أمية منكراً للظلم والجور، وبعضها يذكر أنه لم يكن يريد الخروج، ولا طلب الخلافة، ولكن حدث في تصرف هشام بن عبد الملك وعماله إهانات وإساءة لزيد لم يطق أن يعيش معها مسالماً لهشام بن عبد الملك، وذلك أن زيداً أحس أن والي المدينة من قبل هشام ويسمى خالد بن عبد الملك ابن الحارث ووالي هشام على العراق يوسف بن عمر الثقفي يتعمدان الإساءة له، وربما تصور أن ذلك بإيعاز من الخليفة هشام، فقرر أن يذهب للشام ويشرح أمره لهشام ليزيل ما في نفسه من تخوف أن يثور عليه زيد.

لكن حدث ما لم يكن في حسبانه، فقد قابله الخليفة مقابلة غير لائقة به حاصلها: أن زيداً وقف بباب هشام فلم يؤذن له بالدخول مدة، فكتب له كتاباً يشرح أمره ويطلب الإذن له فكتب هشام في أسفل الكتاب: ارجع إلى أميرك بالمدينة. فعزم زيد على مقابلته وقال: والله لا أرجع إلى خالد أبداً.

وأخيراً أذن له وقد رتب هشام الأمر، فوكل به من يحصي عليه جميع ما يقول، وحينما صعد زيد إلى هشام قال زيد: والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل. فلما مثل بين يدي هشام لم ير موضعاً للجلوس فيه حيث انتهى به المجلس، وقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله.

فقال هشام: اسكت لا أم لك. أنت الذي تنازعك نفسك الخلافة وأنت ابن أمة. فقال له: يا أمير المؤمنين، إن لك جواباً إن أجبتك أحببتك به، وإن أحببت أمسكت- ولو أن هشاماً يريد العافية لقال له أمسك - فقال: بل أجب. فقال: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق، فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبياً، وجعله للعرب أباً، وأخرج من صلبه خير البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم تقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي؟

فقال هشام: اخرج.

فقال زيد: أخرج، ولا أكون إلا حيث تكره. ومن هنا قرر أنه بين أمرين أحلاهما مر؛ فاختار الخروج (١).

وكم أسديت له من النصائح للرجوع عن رأيه، ولكنه - وبدفع من الشيعة- واصل سيره إلى أهل الكوفة الذين عاهدوه على نصرته ثم نكسوا على أعقابهم حين تراءى الجمعان، جيش الخلافة وهؤلاء، وفي هذا الموقف الحرج قام هؤلاء وسألوه - ليأخذوا حجة في الهرب ولرداءة معتقدهم- قالوا له: إنا لننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب.

فقال زيد - دون نفاق -: إني لا أقول فيهما إلا خيراً، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيراً، وقد كانا وزيرا جدي، وإنما خرجت على بني أمية الذي قتلوا جدي الحسين، وأغاروا على المدينة يوم الحرة، ثم رموا بيت الله بالمنجنيق والنار.

فلما سمعوا هذا الجواب تفرقوا عنه ورفضوه. فقال لهم: رفضتموني؟ فسموا رافضة، وبقي في شرذمة قليلة سرعان ما قضى عليهم يوسف ابن عمر، وقد قتل زيد ودفن في ساقية فاستخرجه يوسف وكتب إلى الخليفة، فأمره هشام أن يصلبه مدة وأن يحرقه، وتم ذلك فيما ذكره علماء الفرق والمؤرخون (٢)

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي - ١/ ٣٣٧


(١) والله أعلم عن صحة ذلك كله، وقد علمت أن أكثر المؤرخين يتجوزون في نقل الأخبار اعتماداً على الرواة تاركين لمن جاء بعدهم مهمة تحقيقها
(٢) انظر: ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ٢٢٩) (ص٢٣٥)، ومن (٢٤٢) (ص٢٤٧) وانظر: ((مروج الذهب)) (٣/ ٢١٧ - ٢٢٠). وانظر: ((البداية والنهاية)) (٩/ ٣٢٩ - ٣٣٠). وانظر: ((مقاتل الطالبين)) (ص٨٦ - ١٠٢. ويجب أن تدرك المبالغات التي ذكرها المسعودي والأصفهاني صاحب مروج الذهب بناء على تشيعهما

<<  <  ج: ص:  >  >>