للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجارودية: نسبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الكوفي الهمذاني، وقيل الثقفي، وقيل: الهندي، وقيل: زياد بن منقذ العبدي، وقيل: زياد بن أبي زياد. وصفه ابن النديم بقوله: "من علماء الزيدية، أبو الجارود، ويكنى أبا النجم زياد بن منذر العبدي، يقال: إن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام سئل عنه، فقال: ما فعل أبو الجارود؟ أرجأ بعدما أولى، أما إنه لا يموت إلا بها. ثم قال: لعنه الله، فإنه أعمى القلب، أعمى البصر. وقال فيه محمد بن سنان: أبو الجارود لم يمت حتى شرب المسكر، وتولى الكافرين (١). توفى سنة ١٥٠هـ، وقيل: سنة ١٦٠هـ.

ومع هذا الاضطراب العجيب في اسمه، وفي كنيته، وفي لقبه، وفي نسبه، وأيضاً في تاريخ وفاته، فقد أطلق عليه الباقر أبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رحمه الله اسم (سرحوب)، وفسره بأنه شيطان أعمى يسكن البحر.

وكان لأبي الجارود أصحاب وأتباع ذكر منهم: فضل الرسان، وأبو خالد الواسطي. وقد زعموا - أي الجارودية- أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالوصف والإشارة دون التسمية والتعيين، وهو الإمام بعده، والناس قصَّرُوا حيث لم يتعرفوا الوصف، ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم، فكفروا بذلك" (٢) وهذا هو ما دفع الشيخ المفيد إلى أن يُلحق الجارودية بغلاة الشيعة، ويقرنها بالإمامية (٣).

وذكر الدامغاني أن هذه المقالة مخالفة لمقالة زيد بن علي، إلا أنه استدرك ذلك، وانفرد بقوله: "وقليل من يوجد عليها الآن منهم، وإنما الظاهر الآن من أقوالهم التوقف في أمر الشيخين". (وهذا مخالف للواقع) مع الاعتقاد أن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو علي. وأنهما قد أخطأا في التقدم عليه خطأ لا يقطع بأنه فسق، فلذلك توقفوا في حالهما. قالوا: "وإنما توقفنا فيهما لوجوه:

لما لم يكن النص على علي جلياً، كقوله: هو الخليفة بعدي على أمتي، والقائم عليهم مقامي، ونحو ذلك، وإنما قال: هو وصيي، وقاضي ديني، ومسلمي إلى ربي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، ومن كنت مولاه فعلي مولاه. والحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خيرٌ منهما، ونحو ذلك مما يستنبط منه بالاستدلال أن المراد به الخلافة، فلما لم يفهم ذلك بصريح اللفظ، لم يجز أن يهلك؛ لأنا نجوز أنهم فهموا من هذه الأدلة غير الخلافة، كما فهمه من بعدهم من المخالفين.

وثانيها: أن الذين رووا هذه الأحاديث اعتقدوا الخلافة في أبي بكر وعمر، فدل على أنهم فهموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد الخلافة بها.

وثالثها: أن الصحابة كالمجمعين على ذلك. وفي تخطئة جميعهم حرج عظيم؛ لأنه يقطع الثقة بالشريعة، لأنهم الذين نقلوها إلى الأمة.

ورابعها: أنها وردت أحاديث عدة أن أبا بكر وعمر من أهل الجنة، وبأن أهل بدر قد غفر لهم، ولو عملوا ما شاءوا، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن ينقلب، والأحاديث هذه يجوز فيها الصحة، فالتوقف فيهم أمان، والوقيعة فيهم خطر.


(١) ((الفهرست)) (ص ٢٢٦ - ٢٢٧)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٥٩، ١٦٢).
(٢) ((أوائل المقالات)) (ص ٨٤)، ((مسائل الإمامة)) (ص ٤٢)، ((مقالات الإسلاميين)) (ص ٦٦)، ((شرح رسالة الحور العين)) (ص ١٥٥)، ((الجوهرة الخالصة))، ((المنية والأمل)) (ص ٩٧)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٥٧، ١٥٩)، ((توضيح المسائل العقلية))، ((المستطاب))، ((مقدمة ابن خلدون)) (٢/ ٥٣٤) ((الخطط المقريزية)) (٢/ ٣٥٢).
(٣) ((أوائل المقالات)) (ص ٤٠) نقلاً عن كتاب ((مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة)) (١/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>