للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه]

درجات التجهم، ومنزلة الأشاعرة في التجهم، ومعرفة أصنافهم: فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجهمية على ثلاث درجات فذكرهم ... (١) وفيما يلي ملخص ما ذكره:

الدرجة الأولى: الجهمية الغلاة، وهم الذين ينفون أسماء الله وصفاته ويجعلون إطلاق الأسماء من باب المجاز.

الدرجة الثانية: الجهمية الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة ويجعلون كثيراً منها على المجاز، وينفون صفات الله، وهذا النوع من التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم، وهم الجهمية المشهورون.

ولا خلاف بيننا وبين الأشاعرة في عدم عد هؤلاء من أهل السنة والجماعة.

الدرجة الثالثة: طائفة من الصفاتية المثبتين المخالفين للجهمية، ولكن فيهم نوع من التجهم، وأطلق عليهم: الجهمية لاشتراكهم في رد طائفة من الصفات، وأهل هذه الدرجة على مراتب ثلاث:

أهل المرتبة الأولى منهم: من يقر بالصفات الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث.

وأهل المرتبة الثانية منهم: الذين يقرون بالصفات الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة مع نفيهم وتعطيلهم لبعض ما ثبت بالنصوص، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن تبعه بعد ذلك كأبي الحسن الأشعري.

وأهل المرتبة الثالثة: تنتسب إلى أهل المرتبة الثانية إلا أنهم قاربوا المعتزلة الجهمية أكثر في النفي وخالفوا من انتسبوا إليه، وفيهم من يتقارب نفيه وإثباته مع كثرة تناقضهم، ومنهم الرازي والغزالي. ويفصل شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر في بيان مخالفة كثير من الأشعرية لمذهب أبي الحسن الأشعري فقال: "ولا ريب أن أئمة الاشعرية وهم الذين كانوا أهل العراق: كأبي الحسن الكبير وأبي الحسن الباهلي وأبي عبدالله بن مجاهد وصاحبه القاضي أبي بكر، وأبي علي بن شاذان، ونحوهم، لم يكونوا في النفي كأشعرية خراسان مثل أبي بكر بن فورك ونحوه، بل زاد أولئك في النفي أشياء على مذهب أبي الحسن ونقصوا من إثباته أشياًء" (٢). وهذا ما سيأتي بيانه عند ذكر قاعدتي الإثبات والنفي عند الأشاعرة إن شاء الله. ومصداق ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ما ذكره إمام الحرمين عبدالملك الجويني الخراساني حيث قال: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة وحمل العين على البصر وحمل الوجه على الوجود" (٣).وإذا تتبعنا ما قاله الأشعري والباقلاني وجدناهما قد أثبتا هذه الصفات لله تعالى، وذلك كما في (الإبانة) لأبي الحسن الأشعري و (التمهيد) للقاضي أبي بكر الباقلاني (٤) ولذلك قال الجويني في مطلع حديثه: "ذهب بعض أئمتنا".

والمقصودون بالحكم في هذا الكتاب هم أهل المرتبتين الثانية والثالثة من الدرجة الثالثة من درجات الجهمية.

فبالنظر إلى معنى اصطلاح أهل السنة العام – أي ما يقابل الشيعة – فالأشاعرة من أهل السنة والجماعة لقولهم بخلافة الأربعة رضي الله عنهم. وأما بالنظر إلى المعني الأخص – أي السنة المحضة – فهم على ثلاث مراتب: فمن كان منهم على اعتقاد الأشعري في مرحلته الأخيرة السنية فمعدود في أهل السنة والجماعة.

ومن كان أكثر إثباتاً وإنما أثر عنه نفي يسير كالبيهقي مثلاً فهو أقرب إلى أهل السنة.

ومن لم يقل بذلك وأظهر مع ذلك مقالة تناقض اعتقاد الأشعرية في آخر مراحله فهو إلى الجهمية أقرب منه إلى أهل السنة المحضة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أقرب هؤلاء الجهمية: الأشعرية ... وكانوا (أي السلف) يقولون: إن المعتزلة مخانيث الفلاسفة، والأشعرية مخانيث المعتزلة، وكان يحيى بن عمار يقول: المعتزلة الجهمية: الذكور، والأشعرية الجهمية: الإناث. ومرادهم: الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية .... وأما من قال منهم بكتاب (الإبانة) الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك، فهذا يعد من أهل السنة. ولكن الانتساب إلى الأشعرية بدعة لا سيما وذلك يوهم حسن الظن بكل من انتسب هذه النسبة، وينفتح بذلك أبواب شر" اهـ (٥).

المصدر: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف – ١/ ٤٦


(١) ((التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى الفقهية)) (٦/ ٣٧٠ - ٣٧٢).
(٢) ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) (٢/ ٣٤٤).
(٣) ((الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد)) (ص: ١٤٦).
(٤) قال في كتابه ((تمهيد الأوائل)) (ص: ٢٩٥) "باب في أن لله وجهاً ويدين" ثم سرد أدلته ورد على من أول الصفتين من (ص: ٢٩٥ - ٢٩٨).
(٥) ((الرسالة المدنية))، من (ص: ٣٦ إلى ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>