للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب العاشر: أئمة الزيدية ودورهم في نشر القبورية في اليمن]

رغم أن الغلو لدى الزيدية الأولى لم يكن خارجاً عن الحدّ، ورغم أن اتجاهها هو اتجاه المعتزلة المعتمدين على العقل النافين للخوارق والكرامات كما هو معلوم، إلا أننا نجد أئمة الزيدية في اليمن - وبعد قرون من إنشاء دولتهم وتتابع العشرات من أئمتهم- نجدهم ينحرفون انحرافاً شديداً في هذه المسألة، والذي يظهر - والله أعلم- أن باعث الأئمة لذلك كان باعثاً سياسياً أكثر منه باعثاً عقديا، ولكن وجود المشاهد والقباب ووجود سدنةٍ يتأكلون منها ويبنون بها مجداً وجاهاً على أنقاض عقائد الأمة حوّلها إلى مزارات مقدسة يعتقد فيها العوام وأشباههم مالا يجوز اعتقاده إلا في الله تعالى، ومن أجل السياسة أيضاً يتغاضى الأئمة عن ذلك ويتركون العامة يغرقون في بحر الخرافة والشرك وهم ينظرون. وأئمة الزيدية يبنون المشاهد للسياسة ويهدمونها للسياسة كذلك؛ فالدليل على أنهم يبنونها للسياسة ما بدر من الإمام عبدالله بن حمزة وذلك أنه عاش في آخر القرن السادس وبداية القرن السابع (١)، وهو أول من سن لأئمة الزيدية سنة البناء على المشاهد حيث لم يُسجَّل لأحد من الأئمة قبل عصره شيء من ذلك. والذي يظهر لي- والله أعلم- أنه إنما فعل ذلك مضاهاة لمعاصريه من الأيوبيين الذين عُرِف عنهم أنهم يبنون على قبور سلاطينهم البنايات الضخمة في مصر والشام، وفي اليمن كذلك (٢)،فلعله أراد أن يُظْهِر بذلك شيئاً من أبهة الملك للأئمة وهم أموات كما هي لهم وهم أحياء، وقد لاحظ ذلك الأستاذ محمد محمود الزييري في كتيِّبه"الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" حيث قال: (بهذه النفسية يمارس الإمام أعباء منصبه، وتكاد هذه الأعباء تنحصر في استصفاء ثروة الشعب باسم الزكاة وقمع الانتفاضات الشعبية باسم الجهاد وقتال البغاة، ثم بناء مسجد باسم الأمام تضاف إلى جواره غالباً قبة الضريح لهذا الإمام تمدّ نفوذه الروحي حتى وهو في القبر) (٣).

وهذا الذي نسبه الزبيري إلى الإئمة يجب أن يحدَّد بأئمة القرن السابع فَمَنْ بعدهم، وأن أولئك الأئمة قد عمَّروا على معظم قبور الأئمة السابقين مشاهد وقباباً.

وقد خَطَا هذا الإمام بالقبورية في الديار الزيدية خطوات كبيرة جداً، إذ لم يكتف بأن يبني لنفسه مشهداً في حياته أو يوصِي أن يبُنى له ذلك بعد وفاته، وإنما سن ذلك عملياً في حياته بأمر إمامي وتهديد شديد اللهجة لأهل قرية "لصف" حيث قتِل عندهم أخوه إبراهيم بن حمزة وهو يقاتل الأيوبيين، فلما حصل ذلك كتب لهم الإمام عبدالله بن حمزة هذه الرسالة يهدِّدهم فيها إذا لم يبنوا عليه مشهداً أنه سينقل جثمانه عنهم، وهذا نص الرسالة:


(١) ((تاريخ اليمن المسمى فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن)) تأليف العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسعي، طبع مكتبة اليمن الكبرى صنعاء الطبعة الثانية سنة (١٩٩٠م) ص (١٩٧).
(٢) انظر تراجم سلاطينهم في اليمن في الفضل المزيد من تاريخ زبيد وغيره من تواريخ اليمن، وفيها يذكرون كيف يُقْبر سلاطين الأيوبيين.
(٣) ((الإمامة وخطرها على وحدة اليمن (ص١٣ - ١٤) للأستاذ محمد محمود الزبيري طبع دار الكلمة صنعاء بدون تاريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>