للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم]

أبو الحسن الطبري: توفي بحدود سنة ٣٨٠هـ.

قال عنه السبكي: " كان من المبرزين في علم الكلام، والقوامين بتحقيقه، ... وكان مفتنا في أصناف العلوم"، وذكر الأسنوي عن أبي عبد الله الأسدي أنه قال في كتاب (مناقب الشافعي):" كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن بن مهدي حافظا للفقه والكلام والتفاسير والمعاني وأيام العرب، فصيحا مبارزا في النظر ما شوهد في أيامه مثله، مصنفا للكتب في أنواع العلم، صحب أبا الحسن الأشعري في البصرة مدة"، ولم يؤرخ ولادته ولا وفاته، إلا أن الصفدي ذكر أنه توفي في حدود سنة ٣٨٠هـ.

عقيدته:

بما أن علي بن محمد الطبري يعتبر من تلامذة الأشعري فهو يمثل مرحلة متوسطة بين الأشعري والباقلاني، وعرض عقيدته وآرائه يفيد في بيان مستوى النقلة من المؤسس الأول إلى أتباعه من بعده، وكيف تلقى تلاميذ الأشعري أقواله، وهل تابعوه فيها من خلال المرحلة الأولى من رجوعه أم المرحلة الأخيرة؟

١ - كتب أبو الحسن الطبري في بداية كتابه ما يبين سبب تأليفه حين قال: " أما بعد فإنك كتبت إليّ شكوى مافشا بالناحية من معتقد الفرقة المنتسبة إلى الحديث، المنتحلة الأثر، حتى مالوا إلى قوم من ضعفة المسلمين بمعاهدتهم بالتلبيس والتمويه"، ثم يصف هؤلاء الذين يوردون الأخبار فقط بأنهم: "تقصر معرفتهم عن استخراج تأويلها ... لقلة عنايتهم بمعرفة مصادر الكلام وموارده، وظاهره وباطنه، ومجازه وحقيقته واستعارته، وما يجوز إطلاقه في القديم ومالا يجوز إطلاقه"، ثم يقول عنهم:" قد قنع الواحد منهم من العلم برسمه، ومن الحديث بجمعه واسمه، فأبعد غاية هذه الطائفة أن يكتبوا أجزاء من الحديث وأجلادا من القصص ثم يقبلوا على تفسيرها بغير ما أذن الله بها".

ثم يذكر تأثير هؤلاء بأنهم: " يتقربون إلى الرعاع والهمج من أهل الحديث بذلك، وإن من عدل عن هذا المنهج والسير فقد خالف المشايخ والقدماء والأسلاف من العلماء".

ثم يذكر نماذج من الأحاديث التي يوردونها، ويبين أنه لابد من تفسيرها بـ: " ما يوافق المعقول من الأصول، والمعمول به من اللغات".

فأبو الحسن الطبري في هذه المقدمات يعرض بأهل الحديث ويستخدم المنهج العقلي في تأويل النصوص الدالة على الإثبات دون أن يفرق بين الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة والأحاديث الثابتة، بل واضح من كلامه أن حذره من التشبيه أكثر من حذره من التعطيل.

٢ - يحتج على إثبات الصانع بخلق الإنسان من نطفة ثم من علقة، ثم يحتج على الوحدانية بدليل التمانع، وهذه نفسها أدلة الأشعري، ويقول: إن الله ليس بجسم ويحتج لذلك بأن الله لم يسم نفسه به ولا اتفق المسلمون عليه، ويعلل منع إطلاقه بأن حقيقة منع إطلاقه بأن حقيقة الجسم أن يكون طويلا عريضا عميقا وهذا يخالف وصف الله بأنه واحد.

٣ - أما مذهب أبي الحسن الطبري في الصفات فقد فصله في كتابه، ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:

أ - بالنسبة للصفات الخبرية فهو يثبتها مع نفي أي دلالة فيها على التجسيم أو التبعيض - على حد زعمه - فمثلا حين يتكلم على صفة اليدين وقوله تعالى: وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: ٦٧]، إن الطي أريد به الفناء والذهاب، ويذكر أدلة ذلك من الشعر ثم يقول: " ومن الناس من يقول: مطويات بيمينه أي ذاهبات بقسمه لأنه أقسم ليفنيها".

ويقول: إن الله راء بلا عين، ويرد على أدلة من يسميهم بالمشبهة الذين أثبتوا لله عينا ويتأول النصوص الواردة في ذلك من الكتاب والسنة، كما يتأول " القدم" ويذكر له عدة تأويلات ولا يثبت هذه الصفة كما يليق بالله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>