للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: قول الأصوليين]

وناقش الأصوليون الإخباريين فيما ذهبوا إليه: قال صاحب (فوائد الأصول) بعد أن بين حجية الظواهر:

" نسب إلى الإخباريين عدم جواز العمل بظاهر الكتاب العزيز، واستدلوا على ذلك بوجهين، الأول: العلم الإجمالى بتقييد وتخصيص كثير من المطلقات والعمومات الكتابية، والعلم الإجمالى كما يمنع عن جريان الأصول العملية، يمنع عن جريان الأصول اللفظية من أصالة العموم والإطلاق التي عليها مبنى الظهورات. الثاني: الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب. ولا يخفى ما في كلا الوجهين، أما الأول فلأن العلم الإجمالى ينحل بالفحص عن تلك المقيدات والمخصصات، والعثور على مقدار منها يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليها ... وأما الثاني فلأن الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وإن كانت مستفيضة، بل متواترة، إلا أنها على كثرتها بين طائفتين: طائفة تدل على المنع عن تفسير القرآن بالرأي والاستحسانات الظنية، وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظاهر الكتاب من دون مراجعة أهل البيت الذين نزل الكتاب في بيتهم صلوات الله عليهم، ولا يخفى أن مفاد كل من الطائفتين أجنبي عما يدعيه الإخباريون " (١).

فالإخباريون يمنعون العمل بظاهر الكتاب، والأصوليون يمنعونه كذلك إلا بعد الرجوع إلى أقوال الأئمة، ويندرج تحت هذا الظاهر مثل العام والمطلق وغيرهما مما هو ظاهر في معنى, ومحتمل لمعنى آخر، فالعام ظاهر في العموم مع احتمال التخصيص، والمطلق ظاهر في الإطلاق مع احتمال التقييد فيرون إذن وجوب الرجوع إلى الأئمة وما روي عنهم بمعرفة مراد الله عزوجل. قال أحد علمائهم المعاصرين (٢): " لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص "، ويوضح هذا بقوله: " لا شك في أن بعض عمومات القرآن الكريم والسنة الشريفة لها مخصصات منفصلة شرحت المقصود من تلك العمومات، وهذا معلوم من طريقة صاحب الشريعة، والأئمة الأطهار ـ عليهم الصلاة والسلام. حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص. ولذا ورد عن أئمتنا ذم من استبدوا برأيهم في الأحكام، لأن في الكتاب المجيد والسنة عاماً وخاصاً، ومطلقاً ومقيداً، وهذه الأمور لا تعرف إلا من طريق آل البيت، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.

وهذا ما أوجب التوقف في التسرع بالأخذ بعموم العام قبل الفحص، واليأس من وجود المخصص، لجواز أن يكون هذا العام من العمومات التي لها مخصص موجود في السنة أو الكتاب لم يطلع عليه من وصل إليه العام. وقد نقل عدم الخلاف بل الإجماع على عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص واليأس ". اهـ. والسنة ـ عند الجعفرية تتسع لتشمل أقوال أئمتهم، وهم مجمعون على الأخذ بما ورد من كلام الأئمة مخصصا لكثير من عمومات القرآن الكريم، ومقيداً لكثير من مطلقاته، وما قام قرينة على صرف جملة من ظواهره، ويعتبرون هذا من الأمور القطعية التي لا يشك فيها أحد (٣)

ولكن المخصصات التي ترد عن الأئمة أتعتبر من باب النسخ أم التخصيص؟ خلاف وقع بين الجعفرية!

المصدر:مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع لعلي السالوس - ص٤٥٢


(١) ((فوائد الأصول)) (٣/ ٤٨)، وانظر كذلك ((الأصول العامة)) للفقه المقارن (ص ١٠٢ ـ ١٠٥) و ((أصول الفقه)) للمظفر (٣/ ١٣٠: ١٣٤، ١٣٨، ١٤١).
(٢) هو الشيخ محمد رضا المظفر، من كبار علمائهم. انظر كتابه ((أصول الفقه)) (١/ ١٣٦). وهو الذي نقلنا عنه الأصول اللفظية آنفاً.
(٣) انظر ((أصول الفقه)) للمظفر (١/ ١٤١ - ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>