للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: أصول التفسير عند الطوسي والطبرسي وننتقل بعد هذا الحديث عن أولئك الذين يمثلون شيئا من الاعتدال عند مفسري الجعفرية، وأول هؤلاء شيخ الطائفة في زمانه أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (١). وإذا كان الصدوق والشريف المرتضى من الجعفرية الذين سبقوا للتصدي لحركة التضليل والتشكيك في كتاب الله تعالى، فإن الطوسي أول من تصدى لهذه الحركة بطريقة عملية، حيث ألف تفسيره الكبير (التبيان)، فبين أن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين بغير زيادة أو نقصان كما نقلنا من قبل، ثم وضع أسساً للتفسير، وطبقها في تفسيره، فصان كتاب الله تعالى من التحريف في المعنى إلى درجة كبيرة. وننقل هنا ما ذكره الطوسي فيما يتعلق بالتفسير. قال في كتابه (التبيان) (١/ ٤ – ٦): " اعلم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاَّ بالأثر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الأئمة - رضي الله عنهم، الذين قولهم حجة كقول النبي صلى الله عليه وسلم، وأن القول بالرأي فيه لا يجوز والذي نقول في ذلك: إنه لا يجوز أن يكون في كلام الله تعالى وكلام نبيه تناقض وتضاد. وقد قال الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:٣] وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ? [الشعراء:١٩٥] وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:٤] وقال: تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:٨٩] (٢) مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شيء [الأنعام:٣٨]، فكيف يجوز أن يصفه بأنه عربي مبين، وأنه بلسان قومه، وأنه بيان للناس، ولا يفهم بظاهره شيء. وهل ذلك إلاَّ وصف له باللغز والمعمى الذي لا يفهم المراد به إلاَّ بعد تفسيره وبيانه. وذلك منزه عنه القرآن. وقد مدح الله أقواماً على استخراج معاني القرآن فقال: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: ٣٨، وقال في قوم يذمهم حيث لم يتدبروا القرآن ولم يتفكروا في معانيه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] محمد:٢٤ [، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي "، فبين أن الكتاب (حجة)،كما أن العترة حجة، وكيف يكون حجة ما لايفهم به شيء؟ وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط " وروي مثل ذلك عن أئمتنا رضي الله عنهم، وكيف يمكن العرض على كتاب الله، وهو لا يفهم به شيء؟ وكل ذلك يدل على أن ظاهر هذه الأخبار متروك.]

والذي نقول به: إن معاني القرآن على أربعة أقسام:

أحدها: ما اختص الله تعالى بالعلم به، فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه ولا تعاطي معرفته، وذلك مثل قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ [الأعراف:١٨٧]، ومثل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:٣٤] إلى آخرها. فتعاطي معرفة ما اختص الله تعالى به خطأ.


(١) ولد الطوسي سنة ٣٨٥ هـ، وهاجر إلى العراق فهبط بغداد، ثم انتقل إلى الكوفة والنجف، كان ينتمى أولاً إلى مذهب الشافعي، ثم أخذ الكلام والأصول عن الشيخ المفيد رأس الإمامية. له كثير من الكتب. توفي سنة ٤٦٠. راجع ترجمته في ((هدية العارفين)) (٢/ ٧٢) " جعل له (تفسيري الطبرسي)! " و ((معجم المؤلفين)) (٩/ ٢٠٢).
(٢) نص الآية وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ * النحل: ٨٩ *.

<<  <  ج: ص:  >  >>