للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثامن: الميزان]

بعد الحديث عن كتب للجعفرية الاثني عشرية ظهرت في القرون السابقة أرى أن ننظر فيما كتب علماؤهم المعاصرون، لنرى إلى أي مدى لا يزال التأثر بعقيدة الإمامة في تناولهم لكتاب الله العزيز. ومن أكثر الكتب انتشاراً وشهرة، ولها مكانتها عند شيعة اليوم كتاب (الميزان في تفسير القرآن) ": للسيد محمد حسين الطباطبائي (١). وأهم آثار الإمامة في هذا الكتاب تبدو فيما يأتي:-أولا ً: عندما ينتصر لعقيدته في الإمامة، أو لشيء متصل بها، يقف من التحريف موقفاً غير حميد، ففي الحديث عن آية التطهير سبق أن أوردت قوله الذي يفيد احتمال وضع الصحابة للآيات في غير موضعها حيث قال (١٦/ ٣٣٠): " الآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي، ولا متصلة بها، وإنما وضعت بينها: إما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، أو عند التأليف بعد الرحلة " (٢). وعند الحديث عن موقف شبر من التحريف ذكرت ما نسبه لأئمته من زيادة كلمة " أو محدث " بعد قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ [الحج: ٥٢]، وذكرت كذلك (تفسير شبر) للمحدث بأنه الإمام يسمع الصوت ولا يرى الملك. وصاحب (الميزان) نراه يقول: " الروايات في معنى المحدث عن أئمة أهل البيت كثيرة جداً، رواها في (البصائر) و (الكافي) و (الكنز) و (الاختصاص) وغيرها. وتوجد في روايات أهل السنة أيضاً " (٣). وإذا كان قوله ينحصر في معنى المحدث، إلاَّ أن روايات أئمته التي أشار إليها تتناول زيادة الكلمة في الآية الكريمة ومعناها (٤). أما روايات أهل السنة فنجدها في الصحيحين وغيرهما: ففي البخاري " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر)) (٥). وفي مسلم: عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يك في أمتى منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم)). قال ابن وهب: تفسير محدثون ملهمون " (٦).وفي الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((قد كان يكون الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد فعمر بن الخطاب)) وزاد الترمذي: " قال سفيان بن عيينة: محدثون يعني مفهمون " (٧).

فهذه الروايات إذن ليس فيها تحريف للقرآن الكريم، أو زعم استمرار الوحي وسماع صوته.

وعند قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:٢٤].

روى عن أئمته بأنها إنما نزلت فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:٢٤]، ثم يعقب بقول عام يبين رأيه في هذه الرواية وأمثالها حيث يقول: " لعل المراد بأمثال هذه الروايات الدلالة على المعنى المراد من الآية دون النزول اللفظي " (٨).


(١) سبق ثناؤه على تفسير العياشي – الضال المضل – بدلاً من أن يكفره، مما يبين اتجاه صاحب ((تفسير الميزان)) هذا: فلم ينكر تحريفه للقرآن الكريم، ولا تكفيره للصحابة الكرام، ولا غير ذلك من ضلاله الذي بيناه.
(٢) راجع ما كتب عن ((آية التطهير)) في الجزء الأول.
(٣) ((الميزان)) (٣/ ٢٤٠).
(٤) انظر ((الكافي)) (١/ ١٧٦ – ١٧٧) " باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث ".
(٥) رواه البخاري (٣٦٨٩).
(٦) مسلم (٢٣٩٨).
(٧) رواه الترمذي (٣٦٩٣) وقال صحيح ومثله قال الألباني.
(٨) (٤/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>