للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة]

المراد هنا: الإشارة إلى موقف الأشاعرة من تلك المقتضيات: فالأول من تلك المقتضيات، وهو أن يعتقد العبد انفراد الله تعالى بالنفع والضر والرزق والإحياء والإماتة وجميع أفعاله وألا يشرك في ذلك بالله أحداً، فهذا كله يقر به الأشعرية ولا يخالفونه وكتبهم مليئة بهذا الكلام عند ذكر توحيد الأفعال. إلا أنه ظهر في المتأخرين منهم ما يقدح في هذا الذي يقولونه، وقد فشا في العصور المتأخرة الشرك بالله تعالى في توحيد الربوبية لاعتقاد كثيرين أن غير الله تعالى يملك الضر والنفع حتى الأموات، فأوجب لهم ذلك الشرك في عبادته فصاروا يستغيثون بهم ويلجأون إليهم ويطلبون منهم الذرية وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله، فجمعوا بين الشرك في الربوبية والشرك في العبادة – وهذا أمر واضح جلي يعرفه القاصي والداني في كثير من بلاد المسلمين، وزين لهم بعض الأكابر هذا الأمر بشبهات وتلبيسات بتسمية الأمور بغير أسمائها كتسميتهم الاستغاثة بالتوسل، ويسمون شبهاتهم بشواهد الحق وإنما هي شواهد الباطل، وهذا كله يقع مع كثرة كتبهم المبينة لإفراد الله تعالى في ربوبيته وأفعاله.!! مع ملاحظة أخرى، وهي أن الأشاعرة يجعلون الأفعال من تعلقات القدرة والإرادة دون قيامها بالله!، والواجب إثبات قيام هذه الأفعال بالله لأنها من مقتضيات الربوبية، ولذلك قال ابن القيم: "فإن قيام الأفعال به هو معنى الربوبية وحقيقتها، ونافي هذه المسألة نافٍ لأصل الربوبية، جاحد لها رأساً" (١). اهوأما الثاني من تلك المقتضيات وهو إثبات رب مباين للعالم، وذلك بإثبات العلو لله رب العالمين، فهذا مما خالف فيه الأشاعرة، وهذه المسألة من أكبر المسائل التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة بدعوى تنزيه الله تعالى عن الجهة والتحيز! حتى غلا بعضهم فقال: "يستحيل على الله تعالى أن يكون في جهة للجرم بأن يكون فوق العرش مثلاً أو تحته أو يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه ... (و) يستحيل على الله تعالى أن تكون له جهة في نفسه بأن يكون له يمين أو شمال أو فوق أو تحت أو قدام أو خلف! " (٢) وهذا الكلام لازمه أن لا يوجد الرب سبحانه وتعالى وتقدس لولا أنهم يثبتون وجوده سبحانه، والسلف لا يرون لازم المذهب لازماً. وستأتي مناقشتهم في شبهتهم التي ذكروها لنفي العلو إن شاء الله تعالى.

وأما الثالث من مقتضيات الربوبية وهو التوصل بالإقرار بها إلى إفراد الله تعالى في الألوهية، فهذا النوع – وهو توحيد العبادة – يسلمون به في الجملة، إلا أن الملاحظ خلو كتبهم من تقرير هذا النوع من التوحيد، بل وجد من المتأخرين من يخالف في توحيد العبادة على ما سبق بيانه

المصدر: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف – ١/ ٣١٠


(١) ((مدار السالكين)) لابن القيم (٣/ ٤١٤).
(٢) ((شراح أم البراهين)) (ص: ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>