للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة]

أما الأشاعرة فقد اختلفت عباراتهم في أول واجب على المكلف بعد أن اتفقوا على أن الأمر بعبادته ليس أول واجب.

فحكى الاشاعرة عن الأشعري القول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة. والمعرفة عندهم معناها معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم. فحكى الاشاعرة عن الأشعري القول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة (١). والمعرفة عندهم معناها معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم. وعند الباقلاني أول واجب: النظر (٢) فقال: "أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد النظر في آياته ... والثاني من فرائض الله عز وجل على جميع العباد الإيمان به والإقرار بكتبه ورسله" .. الخ (٣).وأول واجب على المكلف عند الجويني القصد إلى النظر فقال: "أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعاً، القصد إلى النظر الصحيح ... " (٤).وقال شارح الجوهرة محاولاً الجمع بين هذه الأقوال: "والأصح أن أول واجب قصداً: المعرفة، وأول واجب وسيلةً قريبةً: النظر، ووسيلةً بعيدة: القصد إلى النظر" (٥)، فظهر من هذا أن النزاع بينهم لفظي. والمراد بالنظر عندهم: "ترتيب أمرين معلومين ليتوصل بترتيبهما على علم مجهول" (٦).

وواضح أن هذا من المقاييس العقلية، وليس المراد مجرد النظر في آيات الله المستلزم معرفة المراد دون توسط أي حد وسط، كما هو في القياس، وسيأتي بحث إثبات وجود الله تعالى وبيان صعوبته والإشكالات الواردة عليه، وما فيه من لوازم باطلة – إن شاء الله -.ولما عدد شارح الجوهرة المطالب السبعة التي يتوصل بها إلى إثبات وجود الله تعالى قال: "وهذه المطالب السبعة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم! " ثم قال:"قال السنوسي: وبها ينجو المكلف من أبواب جنهم السبعة! " (٧) اهـ ولم يتعقبه بشيء!، كأنه يقره على مقالته.

فانظر كيف جعل السنوسي عاقبة ترك هذه المطالب على المكلف سواء كان من العوام أو من العلماء الراسخين في العلم!، وانظر اعتراف الباجوري بأنه لا يعلمها إلا الراسخون في العلم!، فيكونون على هذا هم الناجين فقط دون سواهم!، ويكون العوام، وهم أكثر المسلمين ليسوا بناجين من النار، بل حتى العلماء الذين ليسوا براسخين في العلم!. وفي هذا تحجير لواسع وتضييق لرحمة الله، وابتداع لقول لم يسبقوا إليه.

المناقشة:

١ - قولهم إن أول واجب على المكلف هو النظر الصحيح المفضي إلى معرفة الله يناقض أمرين:

أولهما: أن الإقرار بمعرفة الله أمر مركوز في الفطر.

وثانيهما: الأمر بعبادة الله أولاً.

أما كون الإقرار بالله مركوزاً في الفطر فقد تقدم دليله في الفصل السابق.


(١) انظر: ((شرح جوهرة التوحيد)) (ص: ٣٧).
(٢) وقد حكى عنه أن أول واجب هو أول النظر، أي المقدمة الأولى، وليس هناك كبير فرق انظر: ((شرح الجوهرة)) (ص: ٣٧).
(٣) ((الإنصاف للباقلاني)) (ص: ٣٣).
(٤) ((الإرشاد)) (ص: ٢٥).
(٥) ((شرح جوهرة التوحيد للباجوري)) (ص: ٣٨).
(٦) ((شرح الجوهرة)) (ص: ٣٧) وانظر ((الإرشاد للجويني)) (ص: ٢٥).
(٧) ((شرح جوهرة التوحيد)) (ص: ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>