للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: أهمية الإمامة والخلافة عند الرافضة الاثني عشرية:]

كلما تعمقت في الشيعة والتشيع وعقائد الإمامية أجد أن هناك هوة عظيمة تفصل بين الشيعة والتشيع قد تصل في بعض الأحيان إلى التناقض الصارخ، حيث أرى بوضوح أن التشيع شيء والشيعة شيء آخر، وكلما تعمقت في تاريخ الصراع بين الشيعة والتشيع, تتجلى أمامي العصور الثلاثة التي انبثق فيها الصراع مبتدئا بالعصر الأول, وهو عصر ظهور الصراع الفكري بعد الغيبة الكبرى, الذي مهد الطريق للعصر الثاني, وهو ظهور الدولة الصفوية على يد مؤسسها الشاه إسماعيل الصفوي في عام (٩٠٧ هـ) وتأسيس الدولة الشيعية في إيران، ومن ثم عصر الثالث وهو عصر الصراع الأخير الذي نشاهده في حياتنا المعاصرة بين الأفكار الشيعية الحديثة والتشيع، تلك الأفكار التي عصفت بالمجتمع الشيعي وأدت إلى نتائج حزينة لا تتحملها الأرض ولا السماء. ولكي نضع النقاط على الحروف في رسالتنا الإصلاحية هذه لابد من طرح الأفكار بصورتها الحقيقية، ومن ثم إنارة الطريق لكي يكون القارىء على بينة من أمره .. الإمامة هي الحجر الأساسي في المذهب الشيعي الإمامي، وهكذا في المذهب الزيدي والإسماعيلي، ومنها يتفرع كل ما هو مثار للجدل والنقاش مع الفرق الإسلامية الأخرى، فالشيعة الإمامية تعتقد: أن الخلافة في علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعد علي في أولاده حتى الإمام الثاني عشر, الذي هو محمد بن الحسن العسكري الملقب بالمهدي, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألمح إلى الخلافة لعلي من بعده في مواطن كثيرة, ونص على ذلك في مواطن أخرى, أشهرها: في موقع يسمى غدير خم, عند رجوعه من حجة الوداع، حيث عقد البيعة لعلي وقال: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه, اللهم وال من والاه, وعاد من عاداه " كان ذلك في شهر ذي الحجة من العام العاشر بعد الهجرة، ....... ، أما الفرق الإسلامية الأخرى فترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلف أحدا من بعده بل جعل الأمر شورى بين المسلمين نزولا عند نص الكتاب .... هذا هو ملخص الخلاف بين الفريقين ولكل فرقة آراؤها وأدلتها حيث ألف علماء الفريقين في هذا الموضوع مئات الكتب المطولة والمختصرة، ولم تنفع تلك الكتب بطولها وعرضها في زحزحة الشيعة عما تعتقده في الخلافة، أو زحزحة السنة عما تراه أولى بالاتباع، غير أن المشكلة القصوى هي أن الخلاف الفكري لم يتوقف إلى هذا الحد، بل اتخذ شكلا خطيرا، كلما مرت السنوات وبعد العهد عن عصر الرسالة، ولو أن الخلاف بقي محصورا عند هذا الحد لكان الخطب هينا، والعالم الإسلامي لم يشاهد في تاريخه الطويل كثيرا من المحن والمصائب التي حلت به بسبب المتفرعات من فكرة الخلافة والخلاف فيها. وكما أشرنا ... فإن الخلاف الفكري تجاوز حدود البحث العلمي والاختلاف في الرأي، بل اتخذ طابعا حادا وعنيفا عندما بدأت الشيعة تجرح الخلفاء الراشدين وبعض أمهات المؤمنين، وذلك بعبارات قاسية وعنيفة لا تليق بأن تصدر من مسلم نحو مسلم، ناهيك عن أن تصدر من فرقة إسلامية نحو صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه، صحابة لهم مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، وأزواج للنبي عبر الله عنهن بأمهات المؤمنين.

وهنا ظهر على ساحة الخلاف عدم التكافؤ بين الفريقين في طريقة التفكير والعقيدة، فالفرق الإسلامية كلها تحب علياً وتكرمه, شأنه شأن الخلفاء الذين سبقوه وتحترم أهل بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وتصلي عليهم في الصلاة في كل صباح ومساء، ولكن الشيعة لها موقف آخر من خلفاء المسلمين موقف فيه العنف والقسوة والكلام الجارح.

<<  <  ج: ص:  >  >>