للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: مظاهر زيارة المراقد: ... لقد غيرت الشيعة مسار الزيارة لمراقد الأئمة التي يجب أن تكون لله إلى زيارة سياسية إعلامية تثقيفية ومذهبية، إنني وعندما أكتب هذه السطور هناك عشرات الآلاف من الشيعة تزور مراقد الأئمة في إيران والعراق والمدينة المنورة كل يوم وفي آناء الليل وأطراف النهار، وعلى ما أعتقد لا يوجد بين هذه الأكثرية الساحقة شيعي واحد يقرأ فاتحة الكتاب أو سوراً من القرآن الكريم عندما يدخل إلى العتبات ويقف أمام قبر من قبور الأئمة، إن العادة جرت للشيعة ومنذ قرون أن تقرأ أمام قبور أئمتها عبارات مطولات اسمها (الزيارة) التي تجمع بين طياتها مدحاً للأئمة والثناء عليهم والتنديد بأعدائهم ثم قليل من الدعاء، وقلما يوجد بيت للشيعة لا يتوفر فيه كتاب?مفاتيح الجنان? وهو الكتاب الذي يحتوي على مئات من الزيارات للأئمة ولأولادهم وكلها على نمط مشابه وبفارق صغير في بعض الأحيان ولنقرأ معاً بعض المقاطع من ?الجامعة الكبيرة? وهي من أهم الزيارات شأناً وتقرأ عند قبر كل إمام من الأئمة وهي من المطولات، فقد روى " الصدّوق " في كتابه (الفقيه) أن الإمام العاشر " علي بن محمد الجواد " علّم أحد خواصه وهو " موسى بن عبد الله النخعي " بهذه الزيارة: "السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ... وأمناء الرحمن وسلالة رب العالمين ..... أشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديون المعصومون المكرمون المقربون المتقون الصادقون ..... الراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمعترض في حقكم زاهق والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه وميراث النبوة عندكم وآيات الخلق إليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم وعزائمه فيكم ..... من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ..... أشهد الله وأشهدكم أنني موال لكم ولأوليائكم، مبغض لأعدائكم ومعاد لهم سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم بكم يسلك إلى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن". (١).

وهكذا تستمر الزيارة بمثل هذه العبارات وتختم بعد ذلك بدعاء قصير.

إن الزيارة التي ذكرنا مقاطعاً صغيرةً منها هي أكثر الزيارات اعتدالاً ومضموناً إلا أن هناك زياراتٍ أخرى وكثيرةً فيها عنف ٌ وشدّةٌ وفي بعضها تجريح للخلفاء للراشدين لكن الطابع العام في هذه الزيارات هو التنديد بظالمي آل محمد والاعتراف بفضل " علي " وأولاده وأحقيتهم بالإمامة، وهناك زيارات كثيرةٌ أيضاً تخص الإمام " الحسين " تحتوي على التنديد بالأمويين مع السب الصريح في حق كثير منهم بسبب قتلهم " الحسين " ولاشك أن مقتل الإمام "الحسين " في واقعة " كربلاء " وسب الإمام " علياً " على المنابر الذي بدأ به معاوية بن أبي سفيان واستمر حتى خلافة عمر بن عبد العزيز عام (٩٩) هـ الذي رفع السب يعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور رد فعل عنيف من قبل الشيعة وهو إعطاء السب والشتم صفة دينية وقانونية أدخلت في الزيارات التي تُقرأ أمام قبور الأئمة وأولادهم وحتى هذا اليوم، ومن خلال تفحصي للزيارات التي ذكرتها كتب الزيارات مثل: (مزار البحار) و (مفتاح الجنان) و (ضياء الصالحين) و (مفاتيح الجنان) وغيرها يبدو لي واضحاً أن أسماء الخلفاء الراشدين دخلت في بعض هذه الزيارات صراحةً أو تلميحاً في وقت متأخر عن العصر الذي كتبت فيه هذه الزيارات فلذلك لا نجد لهم ذكراً إلا في قليل منها.


(١) [١٠٧٠٨] ((مفاتيح الجنان)) القمّيّ (ص ١٠٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>