للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية وأسباب ذلك]

أن منهج الأشاعرة في توحيد الألوهية غير واضح المعالم وذلك لأسباب خمسة وهي: السبب الأول: تعريف كلمة (إله) عند الأشعرية: فإنه قد عرف كثير من الأشعرية كلمة (إله) بأنه القادر على الاختراع، فمن ذلك ما نسبه البغدادي إلى أبي الحسن الأشعري فقال: "واختلف أصحابنا في معنى الإله: فمنهم من قال إنه مشتق من الألهية، وهي: قدرته على اختراع الأعيان، وهو اختيار أبي الحسن الأشعري" (١)، ثم اختار البغدادي القول بأنه غير مشتق! وقد حكى الرازي هذا القول ذاكراً دليله دون أن يسمي قائله، فقال في صدد حكاية مذاهب الناس في أصل اشتقاق اسم الله تعالى (الله) قال: "القول السابع: الإله من له الإلهية، وهي القدرة على الاختراع، والدليل عليه أن فرعون لما قال: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: ٢٣]: قال موسى في الجواب: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الشعراء: ٢٤] فذكر في الجواب عن السؤال الطالب لماهية الإله: القدرة على الاختراع، ولولا أن حقيقة الإلهية هي القدرة على الاختراع لم يكن هذا الجواب مطابقاً لذلك السؤال" (٢).

والجواب من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: إن فرعون كان متظاهراً بإنكار وجود رب العالمين – بل كان يدعي أنه رب العالمين بقوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: ٢] وقال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف: ٥٤] وقال: فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر: ٣٧]، ولذلك كان سؤاله بقوله: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ سؤالاً عن وصف الرب تعالى وليس سؤالاً عن الماهية، إذ السؤال عن ماهية الشيء فرع الإقرار به، - وهو لا يقر بالله متظاهراً – فمن لم يقر بشيء لا يسأل عن ماهيته (٣)، فمن سأل عن ماهية الإنسان فقال: ما الإنسان؟ فإن ذلك فرع إقراره بوجوه، وكذلك هنا (٤).

ولذلك فإن فرعون لم يكن قد سأل عن حقيقة الإلهية إنما سأل عن وصف الرب الذي يتظاهر بإنكاره. ويوضح هذا آية أخرى وهي: قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى [طه: ٤٩]، ومعلوم أن "مَنْ" لا يسأل بها عن ماهية الشيء وحقيقته، وإنما حقيقة معنى الإلهية هي: استحقاق الله للعبادة بما له من صفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص، وقد دلت الأدلة على ذلك. الوجه الثاني: إنه لو كان معنى إله: القادر على الاختراع كان معنى لا إله إلا الله أي: لا خالق إلا الله ولا قادر على الاختراع إلا هو، وهذا المعنى كان يقول به المشركون، ولذلك يحتج الله عليهم بمعرفتهم هذه بقوله: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢٢] أي تعلمون أنه لا رب لكم غيره، كما نقل ذلك عن جمع من المفسرين (٥).فلو كان المعنى ما ذكره هؤلاء المتكلمون لما استقام الإنكار على المشركين الذين يقرون بأن الله هو خالقهم وخالق كل شيء. وإنما كان شركهم في الألوهية (٦).الوجه الثالث: إن هذا القول غير معروف عند أهل اللغة، ولذلك لم يحتج من قال بهذا القول بشاهد من شواهد لغة العرب ولا بنقل إمام معتبر من أئمة اللغة (٧).

المصدر: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف – ١/ ١٥٤


(١) ((أصول الدين للبغدادي)) (ص: ١٢٣).
(٢) ((شرح أسماء الله الحسنى للرازي)) (ص١٢٤).
(٣) انظر ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٣٣٢).
(٤) ((مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (١٦/ ٣٣٤).
(٥) ((جامع البيان للطبري)) (١/ ١/١٦٣).
(٦) انظر ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٧٦).
(٧) انظر ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>