للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: خيانة الشيعة عند دخول التتار إلى بلاد الشام (٦٥٨هـ)]

جاء التتار إلى بلاد الشام في عام ٦٥٨هـ صحبة ملكهم هولاكو خان وجاوزا الفرات على جسور عملوها، ووصلوا إلى حلب في ثاني صفر من هذه السنة، فحاصروها سبعة أيام ثم افتتحوها بالأمان ثم غدروا بأهلها، وقتلوا منهم خلقًا لا يعلمهم إلا الله عز وجل، ونهبوا الأموال، وسبوا النساء والأطفال، وجرى عليهم قريبًا مما جرى على أهل بغداد. ولما سقطت حلب أرسل صاحب حماة بمفاتيحها إلى هولاكو خان فاستناب عليها رجل يقال له خسروشاه، فخرب أسوارها كمدينة حلب، ثم أرسل هولاكو قائده كتبغا إلى دمشق فأخذوها سريعًا بلا مصانعة ولا مدافعة واستناب عليها رجلا منهم يقال له إيل سيان وكان معظمًا لدين النصارى، فاجتمع به قساوسهم وأساقفتهم فعظمهم جدًّا وزار كنائسهم فصارت لهم دولة وصولة بسببه، وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحف، وقدموا من عنده ومعهم فرمان أمان من جهته فدخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس وهم ينادون بشعارهم، ويقولون ظهر الدين الصحيح دين المسيح ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أواني خمر لا يمرون بمسجد إلا رشوا عنده خمرًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون (١).

ومما يدل على خيانة الروافض - هنا أن هولاكو لما أتم تدمير دمشق وبلاد الشام أرسل تقليدًا بولاية القضاء على جميع المدائن الشام والجزيرة والموصل وماردين والأكراد للقاضي كمال الدين عمر بن بدر التفليسي الشيعي، ويدل على تآمر الشيعة أيضًا أنه لما ظفر المسلمون على التتار في واقعة عين جالوت بقيادة الملك المظفر قطز عوّل أهل الشام على الانتقام من الخونة من النصارى الذين استغلوا الفرصة وفعلوا ما فعلوا ومن الشيعة الذين مالئوا التتار وصانعوهم على أموال المسلمين وقتل العامة وشيخهم الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، قال عنه ابن كثير رحمه الله:" شيخًا رافضيًّا كان مصانعًا للتتار على أموال المسلمين، وكان خبيث الطوية، مشرقيًا ممالئًا لهم على أموال المسلمين قبحه الله، وقتلوا جماعة مثله من المنافقين، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" (٢).ومن طريف ما يذكر ويدلل على أن أهل السنة لم يكونوا بغاة ظالمين في الانتقام من النصارى والشيعة بعد ظفرهم بالتتار بحمد الله، أن طائفة منهم همت أن تعاقب اليهود، فقيل لهم أنه لم يكن منهم من الطغيان كما كان من عبدة الصلبان (٣).

فالله أكبر على السنة وأهلها، لا خيانة ولا ظلم ولا تعدي، وإن عاقبوا قومًا فبمثل ما عوقبوا به، وإن اعتدوا على قوم فبمثل ما اعتُدي به عليهم. وسبحان الله الذي جعل الجزاء من جنس العمل، فإن هؤلاء الخونة كان الله تعالى ينتقم منهم بأيدي من خانوا من أجلهم ومالؤهم حتى أن ابن كثير يذكر أن هولاكو ملك التتار استحضر الزين الحافظي وهو سليمان بن عامر العقرباني، وقال له: ثبت عندي خيانتك، وقد كان هذا المغتر لما قدم التتار مع هولاكو دمشق وغيرها مالأ على المسلمين وآذاهم ودل على عوراتهم، فسلطه الله عليه بأنواع العقوبات، ومن أعان ظالمًا سلطه عليه (٤).

المصدر:خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية لمحمود محمد عبد الرحمن - ص ٩١


(١) ((البداية والنهاية)) (١٣/ ٢١٨،٢١٩) بتصرف وإيجاز.
(٢) ((البداية والنهاية)) (١٣/ ٢٢١) بتصريف.
(٣) ((البداية والنهاية)) نفس الموضوع.
(٤) انظر ((البداية والنهاية)) (١٣/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>