للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني عشر: خيانات الشيعة ومحاولاتهم الفتك بصلاح الدين الأيوبي]

لم ينس الشيعة أن صلاح الدين الأيوبي هو الذي أزال دولتهم الفاطمية في مصر ومهد للسنة من جديد، لذلك حاولوا مرارًا الفتك به لإقامة الدولة الفاطمية من جديد، واستعانوا في هذه المؤامرات بالفرنج وكاتبوهم.

يقول المقريزي في السلوك:"وفيها – أي سنة ٥٦٩هـ - اجتمع طائفة من أهل القاهرة على إقامة رجل من أولاد العاضد – آخر خليفة فاطمي بمصر – وأن يفتكوا بصلاح الدين وكاتبوا الفرنج؛ ومنهم القاضي المفضل ضياء الدين نصر الله بن عبد الله بن كامل القاضي، والشريف الجليس، ونجاح الحمامي، والفقيه عمارة بن علي اليماني، وعبد الصمد الكاتب، والقاضي الأعز سلامة العوريس متولي ديوان النظر ثم القضاء، وداعي الدعاة عبد الجابر بن إسماعيل بن عبد القوي، والواعظ زين الدين بن نجا، فوشى ابن نجا بخبرهم إلى السلطان، وسأله أن ينعم عليه بجميع ما لابن كامل الداعي من الدور والموجود كله، فأجيب إلى ذلك؛ فأحيط بهم وشنقوا .. وتتبع – أي صلاح الدين – من له هوى في الدولة الفاطمية، فقتل كثيرًا وأسر كثيرًا، ونودي بأن يرحل كافة الأجناد وحاشية القصر، وزاجل السودان إلى أقصى بلاد الصعيد، وقبض على رجل يقال له قديد بالإسكندرية من دعاة الفاطميين يوم الأحد خامس عشر من رمضان" (١).

وبرغم قتل الخائنين المتآمرين إلا أن الفرنجة جاءوا حسب المكاتبة.

قال المقريزي:" وفيها نزل أسطول الفرنج (٢) بصقلية على ثغر الإسكندرية لأربع بقين من ذي الحجة بغتة وكان الذي جهز هذا الأسطول غاليالم بن رجار متملك صقلية ولي بعد أبيه في سنة ٥٦٠هـ .. ولما أرسى هذا الأسطول على البر أنزلوا من طرائدهم ألفًا وخمسمائة فرس، وكانت عدتهم ثلاثين ألف مقاتل، ما بين فارس وراجل وعدة السفن التي تحمل آلات الحرب، والحصار ست سفن والتي تحمل الأزواد والرجال أربعين مركبًا فكانوا نحو الخمسين ألف راجل، ونزلوا على البر مما يلي المنارة، وحملوا على المسلمين حتى أوصلوهم إلى السور، وقتل من المسلمين سبعة، وزحفت مراكب الفرنج إلى الميناء، وكان بها مركب المسلمين فغرقوا منها، وغلبوا على البر وخيموا به، فأصبح لهم على البر ثلاثمائة خيمة، وزحفوا لحصار البلد، ونصبوا ثلاث دبابات بكباشها وثلاثة مجانيق كبار تضرب بحجارة سود عظيمة، وكان السلطان – صلاح الدين – على فاقوس، فبلغه الخبر ثالث يوم نزول الفرنج؛ فشرع في تجهيز العساكر وفتحت الأبواب وهاجم المسلمون الفرنج وحرقوا الدبابات، وأيدهم الله بنصره .. وقتل كثير من الفرنج، وغنم المسلمون من الآلات والأمتعة والأسلحة ما لا يُقدر على مثله إلا بعناء، وأقلع باقي الفرنج في مستهل سنة سبعين" (٣).

أرأيت كم حجم الخيانة ومقدارها لولا أن مَنَّ الله على صلاح الدين ورجاله ونصرهم، وبالطبع كما قال المقريزي بعد عناء وأرواح ودماء أسيلت، وما هذا إلا بفعل الشيعة.

ولم تكد تمضي هذه السنة ٥٦٩هـ وتدخل سنة ٥٧٠هـ حتى دبر الشيعة خيانة أخرى لإقامة الدولة الفاطمية والفتك بصلاح الدين.

قال المقريزي:


(١) ((السلوك لمعرفة دولة الملوك)) (١/ ٥٣، ٥٤).
(٢) قال د/ محمد مصطفى زيادة في تعليقه على السلوك: "وهذه الحملة البحرية كانت دليلاً للمؤمراة الثورية التي قام بتدبيرها عمارة اليمني، وقد تقدم أن المتآمرين كاتبوا الفرنج – ولم يكن حاكم صقلية يعلم بما حاق بالمتآمرين، فبعث مراكبه حسب الاتفاق المبيت معهم (١٠/ ٥٥).
(٣) ((السلوك لمعرفة دول الملوك)) (١/ ٥٥/٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>