للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل]

الله عز وجل هو الواحد الأحد الفرد الصمد، خلق المخلوقات وأوجدها، وأمر الثقلين والجن والإنس بأوامر، ونهاهم عن نواه، من قام بامتثال أمره فيها دخل في طاعته، ومن أبى صار من أعدائه، وهو غني عن الخلق وعبادتهم، وجعل لكلا الفريقين جزاء عادلاً إما الثواب وإما العقاب.

وقد وصف الله نفسه في كتابه الكريم ووصفه نبيه بالصفات الثابتة له عز وجل فهو رب كل شيء ومالكه، إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:٩٣ - ٩٥]

ولقد استقر في أذهان العقلاء مباينة الله لخلقه وقربه منهم بعلمه وإحاطته وأنه متفرد بالأسماء الحسنى والصفات العليا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأمرنا عز وجل أن نصفه بما وصف به نفسه في كتابه الكريم وبما وصفه به نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم غير معطلين ولا محرفين ولا مكيفين، ذاته لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفات خلقه حتى وإن اتفقت التسمية فإنها لا تتفق في الحقيقة وتبقى المباينة بين الحقائق مما لا يخفى إلا على من لم يفهم الحق.

هذا هو الاعتقاد الذي أمر الله العباد به فما هو موقف الصوفية منه. إن المتتبع لعقائد زعماء الصوفية يجد أنهم يعتقدون بوجود معبود لا حقيقة له قائمة بذاته، معبود لهم يذكر في الشريعة الإسلامية ولم تدل عليه العقول ولا الفطر السليمة إنه معبود غير رب العالمين تعالى وتقدس.

يظهر في صورة الصوفي العابد الذي وصل إلى مرتبة النيابة عن الله في تصريف أمور هذا الكون والتحكم فيه بحكم نيابته عن الله وعلمه بكل المغيبات ورؤيته لله في كل وقت لارتفاع الإنية بينه وبين الله عز وجل الذي يظهر أحياناً في صورة شاب وأحياناً في صورة الآكل والشارب، وأحياناً في صورة شخص كأنه محجور عليه تعالى بعد أن فوض الكون وما فيه إلى أقطاب الصوفية يتصرفون فيه بما يشاءون، كما تفيد أقوالهم وتبجحهم بذلك.

الحلول:

لقد أصبح الحلول من لوازم الصوفية الغلاة ومن المبادئ الأساسية عندهم، وكتبهم مملوءة بذلك نثراً ونظماً، وقد اختلف العلماء في تعريف الحلول:

فمنهم من قال: هو اتحاد جسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر كحلول ماء الورد في الورد.

ومنهم من قال: هو اختصاص شيء بشيء، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر.

واستعمل بعض المتصوفة لفظ الحلول ليشيروا به إلى صلة الرب والعبد واللاهوت والناسوت، بمعنى أن الله تعالى يحل في بعض الأجساد الخاصة، وهو مبدأ نصراني وأول من أعلنه من الصوفية الحسين بن منصور الحلاج، حين عبر عن ذلك في أبياته الشعرية التي يقرر فيها أن الله تعالى حل في كل شيء، وأنه لا فارق بين الخالق والمخلوق.

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته أبصرتني (١)

والقائلون بالحلول منهم من قصر الحلول وخصه ببعض الناس، كقول النصارى بالحلول في عيسى عليه السلام، وكقول بعض غلاة الشيعة كالخطابية الذين اعتقدوا أن الله حل في جعفر الصادق، والسبئية الذين قالوا بحلول الله في عليّ، ومثله قول النصيرية فيه، وقول الدروز بحلوله عز وجل في شخص الحاكم.

وفريق آخر قال بالحلول العام، وأن الله حال في كل شيء، وأنه في كل مكان، وهؤلاء تأثروا بالفلسفة الطبيعية عند اليونان – وهم الجهمية ومن قال بقولهم.


(١) ((عوارف المعارف)) (ص ٣٥٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>