للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: مقارنة بين أهل السنة والصوفية في مناهج التزكية]

وإنما قصدنا الصوفية من بين فرق الضلالة؛ لأنهم يزعمون أنهم أصحاب الأحوال والمقامات والنفوس الزاكيات، وأنهم أصحاب مناهج في تصفية النفوس وتنقيتها، وهذه المقارنة يظهر فيها بجلاء نقاء المنهج السلفي، وكيف أنه ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما خالفه إنما هو ابتداع وبعد عن الكتاب والسنة.

ا- منهج التزكية عند أهل السنة والجماعة

أهل السنة والجماعة هم أهل الأثر وأهل الحديث، وهم كذلك أهل الإتباع، فهم يزكون أنفسهم مما زكى به النبي صلى الله عليه وسلم نفوس الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فلا يبتدعون طرقا للتزكية، ولا ينتهجون من المناهج ما يخالف نهج النبوة، وهم يضبطون بالعلم اعتقاداتهم وأقوالهم وأعمالهم، ونلخص مناهج التزكية عند السلفيين في ثلاثة أمور:

- التزكية بالعقيدة الصحيحة عقيدة التوحيد، ولا يكفيهم ذلك حتى تتعبد قلوبهم لله عز وجل، وتمتلئ بأنوار أسمائه وصفاته وربوبيته وإلهيته.

- التزكية بأداء الواجبات وترك المحرمات.

- التزكية بالنوافل.

أ- التزكية بالتوحيد

لاشك أن أوجب أنواع التزكية، التزكية بالتوحيد قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: ٢٨] وهذه النجاسة ليست نجاسة عينية بحيث أن المسلم إذا مس كافرا يغسل يده، فقد أبيح للمسلم أن يتزوج بالكتابية ولا يسلم من عرقها، والواجب عليه من الطهارة كما هو الواجب على من تزوج بالمسلمة، فهذه نجاسة معنوية، قلوبهم نجسة لأنها لا تعرف الله عز وجل معرفة صحيحة، ولا تعبده وحده لا شريك له عبادة صحيحة. ونجاسة الشرك ملازمة لا تطهرها المصائب المكفرة ولا الحسنات الماحية، بعكس تدنس المسلم بشيء من نجاسات المعاصي التي هي دون الشرك، فإنما تطهرها المصائب المكفرة والحسنات الماحية، ودعاء المؤمنين، واستغفار الملائكة، وغير ذلك من مكفرات الذنوب والخطايا، لذا كان أول الواجبات أن يطهر العبد نفسه من أنجاس الشرك، ويزكيها بالتوحيد، كما قال ابن عباس في قوله تعالى: وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [فصلت: ٦ - ٧] قال: الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله، وكذلك قول موسى عليه السلام لفرعون فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تَزَكَّى [النازعات: ١٨] أي تتطهر من هذا الشرك بالتوحيد، فأصل التزكية، التزكية بالتوحيد، بل لا تزكو النفس بسائر أنواع العبادات حتى تزكو بالتوحيد أولا، ومن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأصل لما أرسل معاذا إلى اليمن قال: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة)) (١) الحديث

وأيضا فإن الزكاة هي التطهير، وهل هناك نجاسة أشد من الشرك قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: ٤٨]


(١) انظر ((صحيح البخاري)) (١٤٥٨) ومسلم (١٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>