للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: الأقطاب والأوتاد]

بعد أن حرف كلمة ولي عن معناها الذي أراده القرآن الكريم اخترعوا ما يسمونه بالأقطاب والأوتاد والأبدال. تسميات ما أنزل الله بها من سلطان، يرتبون بها أوليائهم ترتيباً فيه مضاهاة للنصارى الذين يرتبون رجال الدين عندهم بدأ بالشماس وانتهاء بالبابا كما أنه فيه تشبه بالشيعة في ترتيب الأئمة وكذلك ترتيب النصيرية والإسماعيلية في أئمتهم كالسابق والتالي والناطق والأساس (١)، وقد رتبوا أوليائهم حسب أهميتهم على الشكل التالي:

القطب.

الأوتاد الأربعة.

الأبدال وعددهم أربعون وهم بالشام ... ؟!

النجباء وهم الذين يحملون عن الخلق أثقالهم.

النقباء.

وما هي حقيقة القطب عندهم؟ يجيب مؤسس الطريقة التجانية: " إن حقيقة القطبانية هي الخلافة عن الحق مطلقاً، فلا يصل إلى الخلق شيء من الحق (الله) إلا بحكم القطب " (٢)، ثم قسموا القطب إلى نوعين: نوع هو من البشر مخلوق موجود على هذه الأرض، يتخلف بدلاً عنه حال موته أقرب الأبدال له (التشبه بالنصارى) وقطب لا يقوم مقامه أحد وهو الروح المصطفوي وهو يسري في الكون سريان الروح في الجسد (٣). أما الرفاعي فقد تعدى هذه الأطوار فيقول أحد تلامذته: " نزه شيخك عن القطبية " (٤) وعند أبي العباس المرسى مقام القطبية فوقه مقام الصديقية (٥) وعند الشاذلي " يكشف له عن حقيقة الذات " (٦).

وأما الأوتاد فهم أربع رجال منازلهم على منازل الأركان الأربعة من العالم شرق وغرب وشمال وجنوب (٧).

والأبدال سبعة رجال من سافر من موضع ترك جسداً على صورته حياً بحياته (٨).

إن المسلم ليمتلكه العجب عندما يقرا أو يسمع ما يقوله هؤلاء من أمثال الجرجاني وغيره الذين يدعون العلم والمعرفة، إن هذه أمور خطيرة تمس جوهر العقيدة الإسلامية، إن الاعتقاد بأن أحداً غير الله سبحانه يتصرف في هذا الكون هو شرك أكبر مع أن الله سبحانه وصف أكابر أوليائه بالصديقين كأبي بكر وسيدة مريم والدة المسيح عليه السلام فيأتي هؤلاء ليحادوا الله ورسوله ويقولوا: القطبية هي مرتبه فوق الصديقية وأما مصادمة كلامهم للعقل من البديهيات الأولية ولأن الخرافة لا يمكن أن يصدق بها عقل. أوتاد وأقطاب يتحكمون في العالم وهؤلاء سبعة وأولئك أربعة من أين جاءوا بهذا التحديد وهذا العدد؟ ومن أين جاءوا بهذا القطب الذي جعلوه نائباً لله؟ كأن الله سبحانه ملك من الملوك يحتاج إلى نواب سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين (٩)، وهذا الكلام وكلامهم عن الحقيقة المحمدية ووحدة الأديان لا نستطيع أن نصنفه بأنه هلوسة وتخبطات مصروع لا غير، لأننا نكون عندئذ غافلين عن حقيقة هذه المذاهب، وإنما هي غنوصية (١٠) لهدم الإسلام.

المصدر:الصوفية نشأتها وتطورها لمحمد العبدة، وطارق عبد الحليم


(١) انظر ((الفتاوى)) لابن تيمية (١١/ ٤٣٩).
(٢) ((هذه هي الصوفية)) (١٢٥).
(٣) ((هذه هي الصوفية)) (١٢٥) وانظر هامش كتاب ((تنبيه الغبي)) (٣٢).
(٤) ((طبقات الشعراني)) (١/ ١٤٤).
(٥) ((لطائف المنن)) (١٠٩).
(٦) ((لطائف المنن)) (١٢).
(٧) ((التعريفات)) الجرحاني: (٣٩).
(٨) ((التعريفات)) الجرحاني (٢٣).
(٩) جاء في ((الفتاوى البزازية)):" من قال أن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر " انظر كتاب ((غاية الأماني)) لشكري الآلوسي (٣/ ٦٦) وما نقله عن الشيخ صنع الله الحنفي في موضوع الأولياء والأقطاب والأوتاد (٢/ ٦٦) من نفس الكتاب أيضاً.
(١٠) الغنوصية: فرقة دينية فلسفية متعددة الصور مبدؤها أن المعرفة الحقة هو الكشف عن طريق الحدس الحاصل عن اتحاد العارف بالمعروف وليس عن طريق العلم والإستدلال، فهي نوع من التصوف يزعم أنه المثل الأعلى للمعرفة، ويعتقد أنه ليس هناك حواجز أو فروق بين الأديان، ومن هنا كان خطرها، وهي مأخوذة من اللفظ اليوناني (غنوسيس) يعني (معرفة) وقد نشأت في القرن الأول الميلادي بتأثير اختلاط الثقافة اليوناينة بثقافة الشرق ومن زعمائها (أفلوطين) فيلسوف القرن الثالث الميلادي، انظر إبراهيم هلال في مقدمة ((الولاية والطريق إليها)) (٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>