للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: الشطح واللامعقول]

يروى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: " لو أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق " (١)، وسواء صحت هذه الرواية عن الشافعي أم لم تصح فإن الاتجاه العام لدى الصوفية هو الابتعاد عن العقل والعقلانية، وذلك لأنهم يرون أنه لا يمكن الوصول إلى الأحوال والمقامات العالية إلا بإلغاء العقل، ولذلك يذكرون حوادث لمشايخهم ويقررون أموراً يأباها العقل بل يكذبها، ومع أن العقل شرط في معرفة العلوم وهو بمنزلة البصر في العين فإذا اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل بنور الشمس وإن إبعاد العقل وعزله تماماً هو رجوع إلى الأحوال الحيوانية (٢) ومن العلوم أن مناط التكليف في الإسلام هو العقل ولكن الصوفية كل شيء عندهم ممكن، وكل شيء يصدق مهما كانت غرابته، لأنه لا شيء يؤود على مشايخهم، وإذا رددت فأنت محجوب لا تفهم في مثل هذه الأمور، ولذلك أصبحت قصصهم أضحوكة لأهل الأديان المنسوخة كما يقول الآلوسي (٣).

ولأن الناس عجزوا بعد سقوط بغداد عن ربط الأسباب بالمسببات فربما كان التصوف هو الوحيد الذي نجا من تلك الكارثة فهرع الناس إلى المتصوفة يمنحونهم البركة فامتلأت البلاد بأرباب الطرق (٤).

وحتى لا يظن أننا نظلم ونتهم فهذه صور من اللا معقول عند الصوفية منتزعة من كتاب (الطبقات الكبرى) للشعراني. هو يترجم لهؤلاء ولا يعلق بشيء لاعتقاده بصحتها، بل ينقل قصص المجاذيب ويترضى عنهم، وقد يقال بأنها مكذوبة عليهم ولكن الشعراني نقلها ولم ينكرها والذين يقرأون للشعراني من عصره وحتى هذا الوقت لا يقولون: نحن ننكر مثل هذه الأمور ويجب أن تحذف من كتبنا، فالمشكلة في هؤلاء الذين يبررونها ويصدقونها فعلاً وهذه النماذج مأخوذة من عصور مختلفة إلى عصر المؤلف في القرن العاشر الهجري.

ذكر في ترجمة الشيخ أحمد الرفاعي أنه: " إذا تجلى الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب حتى يكون بقعة ماء، ثم يتداركه اللطف فيصير يجمد شيئا فشيئاً حتى يعود إلى جسمه المعتاد ويقول: لولا لطف الله ربي ما رجعت إليكم " (٥).

الشيخ أبو عمرو بن مرزوق القرشي: " كان الرجل العربي إذا اشتهي أن يتكلم بالأعجمية أو العجمي يريد أن يتكلم العربية يتفل الشيخ في فمه فيصير يعرف تلك اللغة كأنها لغته الأصلية " (٦).

مساكين الطلبة الذين يدرسون اللغات الأجنبية في هذا العصر فلو أن الشيخ يعيش معهم لاستراحوا وأراحوا ...

قال تقي الدين السبكي: " حضرت سماعاً فيه الشيخ رسلان فكان يثب في الهواء ويدور دورات ثم ينزل إلى الأرض يسيراً يسيراً، فلما استقر سند ظهره إلى شجرة تين قد يبست فأورقت واخضرت وأينعت وحملت التين في تلك السنة " (٧) والعجب هنا ليس من الشيخ رسلان ولكن من عالم مثل السبكي كيف يقبل بأن يذكر الله بالرقص في الهواء وكيف يقبل مثل هذا الهراء، هذا إذا صحت رواية الشعراني عن السبكي.

أبو العباس أحمد الملثم: يقول الشعراني عنه: " وكان الناس مختلفين في عمره، فمنهم من يقول: هذا من قوم يونس، ومنهم من يقول: إنه رأى الإمام الشافعي، فسئل عن ذلك، فقال عمري الآن نحو أربعمائة سنة وكان أهل مصر لا يمنعون حريمهم منه في الرؤية والخلوة (٨).


(١) ((تلبيس إبليس)) (٣٧٠)
(٢) انظر ما كتبه ابن تيمية في ((الفتاوى)) (٣/ ٣٣٨) كما أنه كتب عشر مجلدات في بيان أنه لا تعارض بين الشريعة المنقولة والحقيقة المعقولة.
(٣) ((محاكمة الأحمدين)) (٤٩٠).
(٤) انظر أحمد أمين: ((ظهر الإسلام) ٤/ ٢١٩).
(٥) ((الطبقات)) (١/ ١٤٣).
(٦) ((الطبقات)) (١/ ١٥٤).
(٧) ((الطبقات)) (١/ ١٥٢).
(٨) ((الطبقات)) (١/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>