للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث: حجج المجوّزين للذكر الجماعي وأدلتهم احتج المجيزون للذكر الجماعي بحجج (١)، نوجزها فيما يلي: أولاً: النصوص الشرعية الواردة في الثناء على أهل الذكر بصيغة الجمع بما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن لله تعالى ملائكة سيارة، فضلاً يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا، وصعدوا إلى السماء. قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك ... )) وفي نهاية الحديث يقول الله: (( ... قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا ... )) (٢).

فيرى المجيزون للذكر الجماعي أن هذا الحديث يدل على فضل الاجتماع للذكر، والجهر به من أهل الذكر جميعاً، لأنه قال: ((يذكرونك، يسبحونك، ويكبرونك، ويمجدونك)) بصيغة الجمع، ثم استدلوا بقول الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري حيث قال: المراد بمجالس الذكر هي المجالس التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرها، وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى، وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر ... والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوها والتلاوة فحسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسته، والمناظرة فيه، من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى. ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه أحمد من طريق: إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود عن يعلى بن شداد، قال: حدثني أبي شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت حاضر يصدِّقه، قال: كنا عند النبي فقال: ((هل فيكم غريب؟)) يعني أهل الكتاب، فقلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغلق الباب، وقال: ((ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله)) فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله يده، ثم قال: ((الحمد لله، بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم)) (٣) قلت: الحديث ضعيف. فيه إسماعيل بن عياش. وهو مدلس. ولم يصرح بالسماع، ومدار هذا الحديث على راشد بن داود، قال ابن معين: ليس به بأس، ثقة، وقال دحيم: هو ثقة عندي، بينما ضعَّفه الإمام البخاري - رحمه الله - فقال: فيه نظر وهذا جرح شديد عنده، بمعنى أنه متهم أو غير ثقة. كما أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي (٤)، وقال الدارقطني: ضعيف لا يعتبر به، فاتفق مع البخاري في تضعيفه، وهو الظاهر من حاله، فإن في الحكم بالجرح زيادة علم عن الحكم بالتعديل، فإذا صدر من إمام عالم متمكن غير متشدد كان مقبولاً من غير شك، هذا من جهة.


(١) انظر: حجج من أجاز الذكر الجماعي في كتاب ((نتيجة الفكر في الجهر بالذكر)) للسيوطي (٢/ ٢٣ - ٢٩) مطبوع ضمن ((الحاوي للفتاوي)) وكتاب ((صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) لحسين السقاف (ص ٢٤٤ - ٢٥٧).
(٢) رواه مسلم (٢٦٨٩)
(٣) رواه أحمد (٤/ ١٢٤) (١٧١٦٢) والحاكم (١٨٤٤) قال الهيثمي في ((المجمع)) (١٠/ ٨١) فيه راشد بن داود وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات، وضعفه الألباني في ((ضعيف الترغيب)) (٩٢٤)
(٤) انظر ((الموقظة للذهبي)) (ص ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>