للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثامن: وصية الله لأنبيائه ورسله بالاجتماع على التوحيد الخالص لله رب العالمين ونبذ الفرقة واطراحها]

لقد حثَّ الله تعالى على لزوم الجماعة والبعد عن الفرقة بأن بين أن هذا الأصل العظيم هو وصيته سبحانه لأنبيائه ورسله فحري بكل مسلم أن يهتدي ويقتدي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام عملوا بما وصاهم به ربهم الله عز وجل.

يقول الله تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ [الشورى: ١٣].ومعنى إقامة الدين: العمل به على ما شرع لكم وفرض. ومعنى " ولا تتفرقوا فيه" أي لا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به كما اختلف الأحزاب من قبلكم (١).ويقول الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير: " أوصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن الافتراق والاختلاف (٢).

والدين الذي أمر الله سبحانه الأنبياء بالاجتماع عليه والتمسك به هو دين واحد وهو دين الإسلام.

ودين الإسلام هو دين الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين يقول الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: ٨٥].وهذا عام في كل زمان ومكان.

فنوح وإبراهيم ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والحواريون؛ كلهم دينهم الإسلام الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له قال الله تعالى عن نوح: فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: ٧٢]

وقال الله تعالى: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة: ١٣٠].

ويقول سبحانه: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ [الأنبياء:٩٢ـ ٩٣].

ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:٥١ـ ٥٣].ومعنى الأمة هنا: الدين (٣) أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة وهو الدعوة إلى عبادة الله لا شريك له (٤).يقول عبدالله بن عباس قوله تعالى: وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً يقول: دينكم دين واحد (٥).ودين الإسلام الذي تمسك به الأنبياء جميعهم عليهم السلام ودعوا إليه هو توحيد الله والإيمان به وطاعة رسله وقبول شرائعه (٦).والوصية بلزوم الجماعة والاجتماع على توحيد الله عز وجل والحذر من سلوك سبل الفرقة ليست وصية خاصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل هي وصية لازمة لكل مسلم قال الله عز وجل شأنه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: ١٥٣].

ولقد كان محمد صلى الله عليه وسلم هو أول العاملين بوصية سبحانه له بلزوم الجماعة والحذر من الفرقة لذلك برأه الله سبحانه من الفرقة وأهلها كما سيتضح في الآتي إن شاء الله.

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص١٥٨ - ١٦١


(١) انظر: ((تفسير الطبري)) (٢١/ ٥١٣) باختصار وتصرف، وانظر ((تفسير القرطبي)) (١٦/ ٩).
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ١١).
(٣) انظر ((الفرقان بين الأولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) ضمن مجموعة التوحيد (٢/ ٥٩٤) وانظر الفتاوى) (٣/ ٦٤).
(٤) انظر ((تفسير القرطبي)) (١٢/ ٨٦).
(٥) انظر ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٣٩).
(٦) انظر ((تفسير الطبري)) (١٧/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>