للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني والعشرون: الوجد والرقص عند الصوفية]

لقد كان للغرام العارم والرقص والتمايل عند الصوفية مكانه ثابتة بل هذا النوع صار من أقوى الشبكات التي يصطادون بها من قلت معرفتهم بالدين الإسلامي الحنيف، وحقاً إنه نوع من الخلل في السلوك والاضطراب الذهني حين يعبدون الله بالرقص والحركات التي لا تمت إلى عبادة الله بأية صلة إلا كما تمت إليها عبادة اليهود من قبل حين حثتهم التوراة - المحرفة - العهد القديم - المزأمير على وجوب التسبيح لله بالدف والمزمار والعود والربابة.

وعند الصوفية في أوقاتهم الخاصة مجالس يجتمعون فيها على الرقص والغناء والتصفيق والصياح بأصوات منكرة يمزقون فيها ثيابهم ويتمايلون حين يأخذ منهم الطرب مأخذه في حركات بهلوانية لا يفهم منها أي إشارة إلى الخوف من النار أو الرغبة في الجنة. وقد أصبح الرقص الصوفي الحديث عند معظم الطرق الصوفية في مناسبات الاحتفال بمولد بعض كبارهم أو في أية مناسبة من مناسباتهم الكثيرة، يحضر عازفون وموسيقيون ويختلط بعضهم ببعض رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، ويجلس في هذه المناسبة كبار الأتباع يتناولون ألواناً من شرب الدخان، وكبار أئمتهم يقرءون عليهم بعض الخرافات المنسوبة لمقبوريهم (١).

والغناء الذي يترنمون به يشتعل حباً وعشقاً وغراماً وقصائد وجد وحزن، فإذا سئلوا عن ذلك زعموا أنها من الطرق التي توصلهم إلى ربهم، أو هو الحب الإلهي كما يسمونه لترغيب الناس فيه. وهذه الصور البهلوانية الرعناء هي صورة الذكر.

فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة يفعلون مثل هذا التنطع المذموم، وهل مثل تلك الحركات تشير إلى الخشوع لله تعالى والسكينة في العبادة من قريب أو من بعيد، وهل ذلك الاختلاط والتمايل يمكن أن يكون بعيداً عن الشيطان. إنها مهازل وسخرية بدينهم ومع ذلك فهم يتلمسون لهم الأدلة التي يجادلون بها مهما كان سقوطها.

أدلتهم على جواز ذلك والرد عليها:

وهكذا لم يكتف هؤلاء بتلك المسالك التي غلوا فيها إلى أن أخرجوا بعض عباداتهم في صور غنائية ورقص، بل حاولوا كذلك أن يجدوا لتلك الأفعال أدلة لمشروعيتها، ومن ذلك:

زعمهم أن سلمان رضي الله عنه حين نزل قوله تعالى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:٤٣] صاح سلمان الفارسي صيحة ووقع على رأسه ثم خرج هارباً ثلاثة أيام.

ومن ذلك أيضاً احتجاجهم بقول الله تعالى لأيوب عليه السلام: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:٤٢]. ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) فحجل، وقال لجعفر: ((أشبهت خلقي وخلقي)) فحجل، وقال لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)) فحجل. (٢) ومنها احتجاجهم لسماع الرسول صلى الله عليه وسلم جاريتين تغنيان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى بثوبه، فجاء أبو بكر فانتهرهم، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ((دعهما فإنها أيام عيد)) (٣).

ومنها أن الحبشة زفنت والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم.

واحتج أبو عبد الرحمن السلمي على جواز الرقص بما روي عن الشافعي أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة مكة فسمع الأخضر الحداء يتغنى في دار العاص بن وائل بهذين البيتين:

تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة عطرات

فلما رأت ركب النميري أعرضت ... وهن من أن يلقينه حذرات


(١) انظر: ((الصوفية معتقداً ومسلكاً)) (ص٢٣٠)
(٢) رواه أحمد (١/ ١٠٨) (٨٥٧) والبيهقي (١٠/ ٢٢٦) قال البيهقي هانئ بن هانئ ليس بالمعروف جدا، قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٢/ ٣٧٤) إسناده حسن، وقال الأرناؤوط في ((تحقيق المسند)) إسناده ضعيف ولفظ الحجل في الحديث منكر غريب
(٣) رواه البخاري (٩٨٧) ومسلم (٨٩٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>